

23 أكتوبر، 2008تأتي هذه المشاركة في إطارالملف الذي فتحته "الأوان" بمناسبة حلول الذكرىالسابعة لكارثة 11 سبتمبر
رد على: شكرا ل 11 سبتمبر
ربما تكون الأفكار أشد بريقا من قناطير الذهب. هذا ما لمسته في مقالة الأستاذ هاشم صالح المنشورة في " الأوان" بعنوان: شكرا ل 11 سبتمبر (1) ومن لم يقرأها بعد، خسر بعضا من متاع الدنيا، فالنص كُتب بلغة آسرة، وعاطفة قوية، تبوح أحيانا بعنف وشراسة نتشوية تتناسب مع حدث 11 سبتمبر، لغة لا تخفي من العنوان فرحتها "الفلسفية الخجولة" لوقوع هذه الكارثة، [تذكر بعنوان سيد القمني "شكرا بن لادن"] لأنها برأي الكاتب طريق الجلجلة للخلاص من عصور الظلامية والأصولية الإسلامية.
وبرأيي فإن حضور الكاتب ووضوحه، وممارسته سلطة لغوية لها بصمتها في حياتنا الثقافية كان طاغيا ومؤثرا. وبإيجاز شديد، ترك النص للوهلة الأولى إحساسا بالنشوة وتفاؤلا بعودة خطاب التنوير العربي، وهذا ما عهدناه من مثقف إستطاع يوما أن يُدجّن محمد أركون في لغتنا العربية، التي فطمها التاريخ على: الخيل والليل والبيداء، ومجازا على" القرطاس والقلم"لكن ما إن (ذهبت السكرة، وجاءت الفكرة) حتى وجدتني أمام مشاعر متناقضة؟ ومزيج غير متجانس من الرؤى والميول المتضاربة، أو ما تطلق عليه الألمانية : مشاعر Hass-Liebe(كراهية ـ حب) وهي سمة لعالم شديد الإضطراب والإنفعال، وعلى مستوى تأريخية الفكر، يمكن فهمها كعلامة للخروج من أسر الثنائيات المنوية الصماء، التي طبعت صورة العالم القديم.أجل أصبحنا نحب ونكره بآن معا. حتى أن مفاهيما من قبيل: وطن تاريخ كتب مقدسة شعر أدب فلسطين و11 سبتمبر إبن لادن صدام.. إلخ لم تنجُ من براثن هذا المزيج الهلامي المضطرب من الرؤى والمشاعر.وتلخيصا لمقال الأستاذ صالح يمكن للمرء ( والمرأة) أن يتوقفا عند المحطات التالية:
أولا: يبدأ الكاتب بصلاة شكر على أرواح قرابين سبتمبر( وغيرهم من الضحايا) الذين عبّدوا بدمائهم طريق الخلاص، وألزموا الجماعة البشرية والدولية بضرورة القضاء على الإرهاب الإسلامي المعادي للحضارة.
ثانيا: يتحدث عن سطوة أفكار الأصولية الإسلامية في مجتمعاتنا، وكيف أنها تملي وتفرض مناهج شريعتها على الأنظمة الحاكمة[حتى وإن كانت في المعارضة] ثم لايترك لبسا في تفضيله للحكم البوليسي على السلفي وإن كان أحلاهما مرّ
ثالثا: يُذكّر الكاتب بمقولة هيغل الشهيرة، إبان إجتياح نابليون لألمانيا (رأيت الإمبراطور، روح العالم على حصان) كإشارة لخلاص أوروبا وإعتناقها مبادئ الثورة الفرنسية: إخاء عدالة مساواة.
رابعا: يحدثنا الكاتب ببراعة أدبية بيوغرافية عن موقفه من إحتلال صدام للكويت، وعدم تصفيقه كالآخرين كما يقول:"لمجرم سفاح سوف يخنق نسمة الحرية في بلد آخر بعد أن أخمدها في العراق"
أخيرا: يختم بمقطع ناري، يتوعد فيه الأصولية الإسلامية بقرب نهايتها الحتمية وهذا يمثل برأيي ذروة إنفعاله ولأهميته أنقله حرفيا :شكرا لـ 11سبتمبر لانه سوف يجبرنا على مراجعة كلّ حرف وكلّ نقطة وكلّ فاصلة في القرآن والحديث النبويّ وكتب الفقه والفتاوى الصفراء وكلّ التراث العربيّ الإسلاميّ.
بعد الآن لم تعد هناك تابوات ولامحرمات ولا ثوابت الامة ولا كلّ هذا الكلام الفارغ الذي يهدف الى قطع الطريق على كل إصلاح أو تجديد. والله سوف تشرّح كتب التراث تشريحا وتفكّك النصوص المقدسة تفكيكا من بسم الله الرحمن الرحيم وأنت نازل حتى تصل إلى كلام الشيخ القرضاوي على قناة الجزيرة( إنتهى الإقتباس)
قبل الذهاب بعيدا في رحلة اللامُفكر فيه؟(وهي عبارة ندين بها للأستاذ صالح) دعونا نتوقف قليلا عند المقطع الأخير، الذي يُذكّر نسبيا بلهجة "أنا إبن جلا وطلاّع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني"؟ وقد يكون الكاتب محقا، وعلى يقين بأن قلمه وعقله أشد مضاء من سيف الحجاج. لكن مايلفت الإنتباه حقا هو عطفه الفتاوى الصفراء،على الفقه والحديث والقرآن مستخدما "واو العطف" بشجاعة وتحدي لايمكن فهمها إلا في سياق تداعيات إنفعالية للنص.وإذ أجد تعاطفا كبيرا مع ما رمى إليه، وأتفق معه بأن التابوهات والمحرمات وثوابت الأمة هي (كلام فارغ) إنما ألمس فيما يقول بعضا من الخطابة العربية التي تركتني أتساءل:
أين ستتم هذه المراجعة الثورية للتراث الديني؟ ومن سيضطلع بأعباء غربلة كل نقطة وفاصلة من القرآن والحديث وكتب الفقه؟ هل ستُنّجز على متون صحف "مخابرات آل سعود"وبمساعدة الرفاق في "الشرق الأوسط"؟ وبرعاية دهاقنة البترودولار، وعطاياهم السخية؟ أم بجامعة عمرو موسى الفولوكلورية؟ وإذا أراد الكاتب أن يبرّ بقسمه ( والله سوف) فعلى أية طاولة ستُشرح وتُفكّك النصوص المقدسة من بسم الله وأنت نازل؟ على طاولة بوش ـ بندر أو على قناة الجزيرة؟ لكن سياق النص يتركنا نعتقد أن الأستاذ صالح، يهدد ويتوعد بما يخزنه من تمنيات وأمنيات أو على مقولات نظرية أطلقها هابرماس حول وحدة العالم في عصر الرقميات. فالجماعة الدولية التي يهمس بإسمها لن تمارس سلطتها الأخلاقية، خارج لعبة الأمم القذرة ومصالحها السياسلطوية. إلا إذا كان المفكر صالح يعتقد حقا بأن الإدارة الأمريكية جادة في حربها على الإرهاب؟! فإذا كان الأمر كذلك، كيف يفسر للجهلة القومجين من أمثالي، غزو العراق وتدمير دولته( العلمانية نسبيا) وإستبدالها بدويلات تيوقراطية، وقبلية ذات مرجعيات دينية بالية، ترفرف عليها أكفان التاريخ والأحقاد؟ وكيف يفسر لنا دور مملكة كرنفالات قطع الرؤوس والأيدي التي ما برحت تصدّر الجاهلية وفتاوى الإرهاب حتى هذه الساعة، وتتمتع برضى وصداقة وتعاطف الإدارة الأمريكية؟ وكيف لنا أن نواجه مبادئ الضمير، عندما يسقط مئات آلاف الأبرياء، إثر غزو العراق، دون أن نطالب بدقيقة صمت أخرى حدادا على أرواحهم أسوة بضحايا سبتمبر؟ أم أنهم فئران مختبرات وفائض بشري عديم القيمة؟وبعيدا عن هذه الأسئلة التي قد تبدو ساذجة ولا فائدة مرجوّة منها، ألا يحق لنا أن نسأل عن اللامُفكر فيه
الإرهاب بين السياسة والتأصيل المعرفي:
غزو الكويت
أما النقطة الثانية الجديرة بالتوقف قليلا فهي حديث وموقف الأستاذ صالح من تداعيات إحتلال الكويت عام 1990م، ودهشته لتأييد غالبية المثقفين لهذا الإحتلال. يتراءى للجميع أن غزو صدام للكويت ضرب من الحماقة( وهو كذلك) لأننا نتحدث عما حدث فعلا وعما آلت إليه الأمور، ولا نتحدث عما كان ممكن الحدوث، [فما يحدث في المحصلة هو أحد خيارات الإستراتيجية ليس أكثر ] ولعل السؤال الأكثر إلحاحا هو :ماذا لو أن أمريكا آنذاك أدارت ظهرها ورضخت للأمر الواقع وتركت صداما في الكويت، خصوصا أن الرجل كان قاب قوسين من إمتلاك قوة نووية؟ ماذا لو أنه تقدم أميالا أخرى، وسيطر على حقول النفط السعودية التي كانت على مرمى حجر منه؟ كيف كان سيبدو العالم اليوم؟جنون وعبث أليس كذلك؟ أوافق تماما، لأننا أمام عملية إفتراضية ربما كانت هي الأخرى أكثر كارثية وقد تنتهي بإنتحار الفوهرر في مخبأه الحصين، ومن يدري ربما أتت مكللة بنجاح بسماركي باهر، أو فتح نابوليوني مبين، أو صفقة ما فالأبواب كانت مشرعة لكل الإحتمالات وكان ممكننا للمفكر أن يصفق حينها ويقول: رأيت الإمبراطور( التكريتي)، روح العالم على حصان!! ( فنابليون لم يجلب شعارات الثورة الفرنسية وحسب، بل أغرق أوروبا بأنهار من الدماء، وهذا ما غيّبه الكاتب من الصورة)وإستيفاء لهذه النقطة،حول المثل الهيغلي، فإني أرى إستثمار هذه المقولة، لتبرير [خيانة] المثقف، قد يصبح ذريعة وغطاء مريحا لتبرير كل الظواهر الرخيصة والخسيسة ( كاللحدية والدحلانية، والغادرية، والجلبية) وإعتبارها نسقا فلسفيا هيغليا، ونبوءة بعصر جديد. وبوسع المرء ( والمرأة) أن يتذكرا نابليون (روح العالم)الذي رفض في أحد الأيام مصافحة أحد الجواسيس البرويسيين، رغم أن الأخير قدم خدمات جليلة لفرنسا، بل إكتفى برمي صرة من الدراهم عليه، من على صهوة جواده، بعد أن رمقه بنظرات الإحتقار.وعودة إلى المعضلة الأساس، ألا وهي الخطر المحدق، الذي يمثله الإسلام الأصولي. ألا يرى الكاتب أن الأمر بُولغ فيه إلى حد الشطط. أليست الأصولية الإسلامية الجهادية وليدة لعصر التلفزة وزواج البداوة والبترودولار، الذي أثمر عن أنجاب الإرهاب لأسباب جيوسياسية(حرب المجاهدين في أفغانستان) ثم إزدهر وإستفحل بعد إنهيار المشروع الوطني الحداثي.هل كان للإرهاب موطئ قدم في تجارب وطنية حقيقة وبوجود شخصيات كارزمية فذة( بورقيبة وعبدالناصر)؟
شخصيا أعتقد أن الصورة المؤثرة لمقتل الطفل محمد الدرّة أمام الشاشات في إنتفاضة عام 2000م، وتكرار تلك الصورة (المدمرة للوجدان) في الفضائيات وما ولدته من شحنة رمزية (تكاد تهزّ الجبال) والشعور الجمعي بالمهانة والذل كل ذلك وغيره كان الوقود الحقيقي لإشعال نار الثأر في مخيّلة مرتكبي جريمة 11سبتمبر؟ من القابعين في مغارات أفغانستان، المؤمنين بخرافة عمرو إبن كلثوم :
إذا بلغ الفطام لنا صبيّ تخرّ له الجبابر ساجدينا
ووفق هذا المنهج الديني الشعري النرجسي البدوي المدجج بالبترودولار ، ظنّ هؤلاء بأن الجبابرة (أمثال بوش وبلير) يتوجب عليهم أن يسجدوا أمام هذا الفطام الدموي لمحمد الدرّة!! قد تبدو هذه الفكرة ساذجة وحمقاء. أعلم ذلك، لكني مقتنع بها حتى الثمالة، ومقتنع أيضا بأن القضاء على الأصولية والتطرف والغلو والنرجسية العقائدية، يحتاج فعلا(كما ذكر الكاتب)إلى غربلة الموروث الديني، وبسرعة تفوق أجهزة الطرد المركزي لمفاعلات إيران. لكن ذلك لن يؤتي ثماره بدون وجود مشروع وطني تربوي تنويري حقيقي. ولن يتحقق بغياب النخب الوطنية القادرة على سحق منظومة الإستبداد والفساد والبطالة والجوع التي تنخر مجتمعاتنا.
هوامش1جريدة الأوان:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق