
قبل مدّة قريبة نشرت "شبيغل" تقريرا يؤكّد فشل الباحثين في العثور على ضريح شارلمان في مثواه المفترض داخل بازيليكا مدينة آخن الألمانية. وبعد جهود دامت ثلاثة قرون ونقاش وإشارات متوالية منذ أيام أوتو الثالث (1000م) لا أحد يعرف أين قبر مؤسّس أوروبا! إنّه سؤال جعل العلماء يهزّون رؤوسهم عجباً، وترك الصحيفة تقول : إنّه أمر غريب، حتى الكلاب تحظى أحيانا بشواهد قبور عندما توارى التراب، فما بالك إذا كان شارلمان ( 747، 814م) الذي يُعتبر الملك الأعظم للغرب، وكاتدرائيته في آخن تعتبر مهد أوروبا (1)؟
هذا الخبر أطرب لا شكّ أستاذ الجرمانيات هـ . إيليغH.Illig صاحب الكتاب الشهير "القرون الوسطى المُختلقة 1998"، وربما جعل (عصابته) تضحك وتُخرج لسانها شماتة، فكتابه ذاك احتوى فرضية مثيرة للجدل فحواها : أنّ الفترة الزمنية بين 614م و911م هي زمن شبحيّ، أو فجوة زمنية في التقويم خالية من التاريخ والعمارة والأدب والمسكوكات.. ولكونها تحتوي على حقبة شارلمان فقد أثارت كثيرا من الجدل والعصف الكتابي.
ومع أنّ الأوساط الأكاديمية الرصينة ما زالت تصمّ أذنيها وتتجاهل هؤلاء (المشعوذين؟!) إلا أنّ بعض الأصوات بدأت تتجرّأ أخيراً وتفجّر بعض الألغام، فقد نشرت صحيفة Zeit(2) مقابلة مع مؤرّخ مرموق هو يوهانس فريدJ. Fried بعنوان : "بنِدِكت لم يوجد قطّ"، وفيها يُصرّح بأنّ القديس بنِدِكت (480ـ 547م) شخصية وهميّة تمّ نسجها في أزمنة لاحقة؟ وبهذا يكون ي.فريد قد أسقط أهمّ قدّيسي المسيحية الأوروبية، الذي يُرجع إليه الفضل في تأسيس الرهبانية والأديرة في إيطاليا، ناهيك عن ارتباط اسمه بانتشار المسيحية، خصوصا على يد تلميذه البابا غريغور الكبير، الذي تدين له بريطانيا بدخولها حظيرة الربّ.
وبالتأكيد فإنّ فريد هذا المؤرّخ الرصين لم يلق كلامه جزافا، فقد اعتمد على المؤرّخ البريطاني فرنسيس كلارك الذي أثبت مؤخّرا أنّ الحوار المنسوب للبابا غريغور (توفّي عام 604م) والذي يحتوي سيرة بنِدِكت هو أحد المزوّرات التي نُسجت بعد فترة طويلة من وفاة غريغور، وحرفيا يقول فريد : عندما يكون المصدر الوحيد مزوّراً فمن الأرجح أن يكون بنِدِكت مزوّرا(3).
ومن الغريب حقاً أن يصل كلارك وفريد إلى هذه النتيجة متأخٍّريْن، وأن يتجاهلا دراستين نشرهما (المشعوذ) إيليغ بين عامي 93ـ 1994 في المجلة الفصلية "قفزات زمنية" (4) الأولى بعنوان : "نهاية القديس بنِدِكت"، والثانية بعنوان: "بابا مزيّف (يقصد غريغور) يخترع المطهّر ويخترع أباً لأوروبا (بنِدِكت)".
والسؤال هنا : ما أهمّية ذلك للقارئ العربي؟ وماذا يعنيه مثل هذا النقاش الصالوناتي؟ ببساطة، هناك تيّار في أوروبا لم يعد يأنس للمسلّمات والمحفوظات التاريخية. تيّار اكتشف أنّه أمام جبل من المحكيّات والأدب الديني والنسخ المنسوخة عن مزوّرات، تيّار يعيد حساباته ويمتحن مسلّماته، ويشكّك بهيكل التاريخ وحقبه وأبطاله ومرويّاته، ويدّعي أنّ أبطال التاريخ هم شخصيات تاريخية ولاتاريخية بآنٍ معا، أو كما قال غوندولف : أبطال ما كانوا أبطالا بل أصبحوا؟ أو أشباح نسج عليهم الموروث حكايته.
عليه، أصبح الاقتباس والامتثال الحرفيّ لمصادر القرون الوسطى المبكّرة، أمرا مزعجا للباحث الجادّ، وأصبح الذهاب إلى الأرض وتفحّصها وإعادة تأويل اللقى الحسّية الأركيولوجية، وإخراج رقبة التاريخ من أنشوطة دوائر التأويل المغلقة، غاية المنهج البحثي.
وتأكيدا لهذا المنحى أقدّم فيما يلي تعريفا بأحد النقاد المهمّين وهو البروفسور هيرمان دِتِرنغ H. Detering الذي عُرف بكتابيه : "رسائل بولس بدون بولس 1992"، و"بولس المزيّف 1995"، وقبل أن يتفاجأ المرء بآرائه النقدية، أهمس للقارئ الكريم بأنّ البروفسور دِتِرنغ مازال يعمل قسّيسا في إحدى الكنائس البروتستانتية في برلين؟! وهذا أمر غريب على ثقافتنا العربية، ويندرج في خانة اللامفكّر فيه، إذ لا يمكننا تخيّل شيخ أزهريّ، يطعن مثلا بتاريخية عمر أو علي ثمّ يذهب لإمامة الناس في المسجد.
وبما يتناسب مع سياق هذا الموضوع، اقتبست بعض أفكار هذا الباحث، من دراسة قصيرة سبق أن نشرها نهاية عام 2006م، وفيها تلخيص (وترجمة بتصرّف) للتعريف بمنهجه وطريقته النقدية.
قبر بولس ـ أو جعجعة بلا طحين: (5)
يفتتح دراسته قائلا : "في 19 ديسمبر 2006 سمعنا أنّ ج. فيليبي المشرف الفاتيكاني على التنقيب في كنيسة القديس بولس، نجح في تحديد موضع ضريح بولس، واحتفلت معظم الميديا باللقيّة الأكثر إثارة وإدهاشا وكتبت (بالخطّ العريض) : "اكتشاف قبر الرسول بولس في روما" مع/وغالبا بدون وضع إشارة إستفهام. حتى أنّ باول باده من صحيفة Die Welt (6ديسمبر 2006) وجد أنّ أهمية هذا الكشف لا تضاهى، ويفوق في أهمّيته اكتشاف أفخم قبور الفراعنة".
دِتيرنغ يصف ذلك بمبالغة يقف وراءها خيال ديني ونقص فادح في الوعي النقدي، وبقليل من الكلمات يعرّج على ما يتداوله الناس من آراء خاطئة كانتماء بولس لأسرة يهودية غنية، أو اقتران اسمه بـ"ساولوس"، فكلّ هذه الأمور بدون سند تاريخيّ أو إنجيليّ. ثمّ يقدّم رؤيته عبر ثلاثة محاور أوّلها : السؤال عن مصداقية قصص الموروث والمصادر الكتابية، التي جعلت من بولس يُستشهد في روما، وثانيهما : السؤال الآركيولوجي عن موقع الضريح. وأخيرا : السؤال عن أصالة ومطابقة ما يحتويه الضريح والإمكانية الميثودية لحلّ هذه المعضلة.
وفي ما يتعلّق بالنقطة الأولى يقول بأنّ المصدر الكتابيّ الوحيد ضمن أكوام الأدب الدينيّ حول بولس، وبحسب معظم علماء العهد الجديد، يمكن الطعن بمصداقيته التاريخية (..) فهناك حاليا إجماع على أنّ "أعمال الرسل" تعود إلى منتصف القرن الثاني م، وفيها لمّح محرّرها إلى إمكانية موت بولس شهيدا (قصص الرسل 20:22) غير أنه ترك سؤال إستشهاده في روما مفتوحا حتى نهاية عمله، وعلاوة عليه فقد ترك الأسير الروماني (بولس) يعيش عامين كاملين في بيته حرّاً دون عقبات يعظ بملكوت سمَوات السيد المسيح (قصص الرسل 28:31). وفي ما يُعتقد أنه رسائل حقيقية لبولس، توجد فقط تلميحات ضعيفة عن إحتمال وشيك لاستشهاده، كما في رسالة فيليبوس (1:20) هذا إذا افترضنا أنها قد صيغت في روما، الأمر الذي يشكّ فيه كثير من اللاهوتيين، أمّا في (روميا 15:24) فثمة دليل على أنّ بولس، بعد زيارته للجماعة في روما، تابع سفره إلى إسبانيا.
وبعد ذلك يمرّ على رسائل أغناطيوس (إستشهد 110م) وكليمنس الأولى التي تشير إلى أن بولس بلغ أقصى الغرب (إسبانيا) وتضيف حرفيا : "وترك هذه الدنيا وذهب إلى المكان المقدّس (ر. كليمنس الأولى 5:5)، وبهذا لا ذكر لاستشهاده في روما.
وهكذا يستمرّ في مراجعة التراث الكتابي مرورا بما يسمّى المنحولات "الأبوكريف" التي ألبست استشهاده ثوبا أسطوريا، منها تلك التي وصفت عملية قطع رأسه وكيف أنّ "حليبا تناثر (من رقبته) ورشّ ملابس الجنود"، وقصص أخرى تكلّمت عن قيامته، وعن أنصاره الذين ذهبوا فجرا لقبره فرأوا بولس راكعا يصلّي وسط رجلين "وإذ كانوا يحدقون بهذه المعجزة أصابهم الفزع والارتباك"، ثم يذكّر الكاتب بأنّ رسائل أغناطيوس وكليمنس هي بنظر الباحثين المعاصرين عبارة عن مزوّرات تعود لأواخر القرن الثاني م.
ثم يصل بيت القصيد وكيفية اعتماد الكنيسة قصة استشهاد بولس ودفنه على تلة الفاتيكان، ويردها إلى رسائل ذكرها يوسِبيوس (قرن رابع) ونُسبها لأحد الآباء ويُدعى غاسيوس كان قد كتبها بين عامي 199ـ 217م حيث ينقل عنه قوله : " أنا في وضع يمكنني أن أريكم علامة نصر الرسول : فإذا أردت أن تذهب للفاتيكان أو إلى الطريق باتجاه اوستيا، فإنك ستجد علامة النصر التي أسّست عليها الكنيسة".
وعليه، يتساءل الكاتب إن كان يوسٍبيوس قد فهم اللفظ اليوناني "علامة النصر" مرادفا لكلمة "قبر أو جدث"، ويرى أنّ المعنى أقرب إلى كونه "نصبا تذكاريا في مكان الاستشهاد".
أمّا النقطة الثانية فيباشرها بإعلان الفاتيكان عن أنّ مكان القبر واضح كالشمس، بسبب وجود لوحة رخامية فوقه تقول : Pavlo Apostolo Mart ، وهذا برهان على أنّ كنيسة القديس بولس تحوي ضريحه.
.
هنا يقول الكاتب : إنّ مسألة تعيين مكان القبر المزعوم لبولس من خلال تاريخ شديد التبدّل (..) عمل معقّد، وعلينا التذكير بأنّ الرفات المزعومة لبولس قد حُفظت بداية الأمر تحت إسم Filocalos في مقبرة سان سيباستيانو، ثم جرى نقلها في وقت متأخر إلى المقبرة التي شُيّدت عليها (لاحقا) كنيسة القديس بولس.
ثم يؤشّر لوجود تقاليد مزدوجة، وينقل عن البابا Damasus (384 م؟) وضعه لوحة في كنيسة سان سيباستيان تقول حرفيا : "من يبحث عن اسميْ بولس وبطرس، كائنا من يكون، عليه أن يعرف أنّ القديسين سكنا (دُفنا) هنا سابقاً (..)
وتأكيدا لذلك يرفع النقاب عن حفريات أجريت عام 1917 في أرجاء كنيسة سان سيباستيان، حيث عُثر حينها على حجرة ارتادها الزوّار في القرنين الثالث والرابع م، وعلى عدد كبير من شواهد القبور (باللاتينية واليونانية) تدعم الفرضية القائلة بأنّ المكان احتوى رفات بولس وبطرس، وهنا يستشهد الكاتب بإيريش دينكلر E. Dinkler الذي تناول أيضا حفريات مماثلة أجراها البابا بيوس XII في كاتدرائية القديس بطرس وانتهت أعمالها عام 1949 بإعلان الفاتيكان عن عثوره على قبر بطرس. لكن دينكلر يقول : "الحفريات لم تفض إلى أيّ قبر يمكن ردّه زمنيا إلى لقرن الأوّل م، أو أن يكون قد شغله لاحقا أتباع الرسل (بولس، بطرس) ولا يُوجد أثر قاطع في (المكان) يمكن إرجاعه لمسيحيي القرنين الأوّل والثاني"
ثم ينتقل دِتِرينغ إلى محوره الأخير حيث يطرح تساؤلاته عن تجاهل الفاتيكان إجراء تحريات مخبرية، كاستخدام فحوص DNA والكربون 14 لتحديد وتزمين محتويات الضريح وآثار ساكنه.. خصوصا أنّ أجزاءً من الرفات المقدّسة لبولس قد توزّعت في أماكن عديدة من لندن ومونستر وصولا لمالطا وسرقسطة. وهنا يُعلّق على تصريح الكاردينال مونتِزومولو وتأكيده : بأنّ القبر كان مقفلا ولم يُفتح قط. ويتساءل مستغربا عن سرّ وجود الرأس (الجمجمة) في كنيسة سانت دي جيوفاني؟
وعليه يستنتج أنّ الفاتيكان سيكون محظوظا إذا أثبت فحص الكربون المشعّ أنّ البقايا تعود للقرن الأوّل، وحتى لو أثبت ذلك فإننا وبسبب غياب بروفيل لـ DNA بولس لن نعرف ساكن الضريح، فربما يكون لرجل مزيّف وضع لخدمة أسطورة بولس.. وقد لا يحالفهم الحظ وتكون البقايا لإنسان من عصور أخرى، أو بقايا لجثمان امرأة. ثم يختم :
"الإشكالية الأركيولوجية لتحديد هوية رفات عمرها يبلغ ألفي سنة، يُزعم أنها تعود لبولس، ترتبط أيضا بالمطابقة الكتابية مع رسائله. وهنا يُطرح السؤال عن كيفية إثبات مرجعية الكتابة لكاتبها، إذا كنّا لا نملك للكاتب نصا أصيلا شاهدا موثوقا، فكلّ محرري أعمال بولس المجموعة في رسائله، ادّعوا أنها صيغت من قبل بولس (مباشرة أو غير مباشرة)، رغم ما فيها من فروقات أسلوبية ولاهوتية وتباين في انتخاب المفردات، فمن أين لنا أن نعرف أيّهم كان بولس الحقيقي، وكيف كانت تبدو رسائله الأصلية التي صيغت باسمه. وكيف يعلم معظم اللاهوتيين الآن، أيها كانت الأصلية : رسائل بولس للرعية (Pastoral) أم رسالة بولس السابعة، سيما وأن هذه الرسائل التي صاغها بولس لا تتوافق مع تلك التي صيغت في قصص الرسل، والتي تزعم أنها الشاهد الملك على الوجود التاريخي لبولس".
هذه الأطروحات تخص النقد الراديكالي، وهنا يتوجّب ألا نثقل وعي معاصرينا (حسب دِتِرنغ)، فالحجاج المؤمنون الذين حجزوا لتوّهم تذكرة إلى روما، يكفيهم لمس الضريح ثم الذهاب إلى ساحة بطرس وتقبّل بركات البابا، وما تبقّى تُنجزه العقيدة .. لقد استثمر الفاتيكان العاطفة التي تأجّجت مع رحيل يوحنا بولس الثاني، وهو يعلم أنّ الدليل العلمي لإثبات ما في الضريح، غير متوفر. لذلك عليه بين الفينة والأخرى الاستعانة بالميديا وبجهل الصحفيين وإخراج مانشيتات عريضة للرأي العام، للتأكيد بأنّ العقيدة تقف على أرض تاريخية صلبة. فعموم الناس ليسوا مؤهلين لرسم صورة ذلك الزمن المبكر للمسيحية. ومن ذا الذي يستطيع أن يُشكّك بالحقيقة التاريخية للرسول بولس، وقد لمس ضريحه بيده.
خلاصة:
قد تكون أطروحات دِتِرينغ غامضة لبعض قرّاء العربية، ممّن لم تتح لهم فرصة التعرّف على النقد والجدل في تاريخ المسيحية. وربما كان من الأجدى تقديم نموذج حيّ من منطقتنا العربية، فمصر مثلا تحتضن تاريخ أعرق الكنائس، حيث لعبت الكنيسة المرقصية دورا مهمّا في تأسيس المسيحية قبل أن تنزوي وتصبح كنيسة محليّة. ولعل مراجعة نقدية لقصة بطريركها الأول القديس مرقص (وقبلها رحلة العائلة المقدسة لمصر) سوف تكشف الركام الأسطوري الذي نشأت عليه، فمرقص نفسه (صاحب إنجيل بإسمه، ومن أصول ليبية) تركه التاريخ ينضمّ في أورشليم لتلامذة المسيح (أو للمقرّبين السبعين) ثم تركه يرافق بولس وبطرس إلى روما، ويعود لمصر ويُقتل فيها ويوارى جثمانه في الإسكندرية (كنيسة بوكالس)، ثم تتنازع عليه الفرقتان القبطية والملكانية البيزنطية، فيعيد العرب تسليمه للبطريرك القبطي بنيامين، ثم يسرقه عام 828م تجار بنادقة، أخفوا جسده داخل خنزير مملّح لخداع الجمارك. وهكذا خسرت الكنيسة المصرية ضريح مؤسّسها، ليصبح حارسا للبندقية، التي أطلقت على نفسها إسم : جمهورية القديس مرقس.
للأسف ماتزال هذه المباني التاريخية الخرافية تتحكّم بعقول الناس، دون مراجعة نقدية حقيقية. وأيضا في الجانب الإسلامي لا تتوفر الفرصة لمعاينة الأرض بجدية. رغم أن الضرورة باتت مُلحة لغربلة التاريخ المنتفخ بالمجلدات الخرافية. ولا أدري إن كان المستقبل القريب سيقدّم لنا نقاداً (أزهريين) كاللاهوتي الأب دِتِرينغ؟ ممن يتحدثون بلغة الكربون المشع و DNA . هذا لا يعني أن المستقبل سوف يبيح لعلماء الآركيولوجيا الولوج لحجرة عائشة حيث يرقد ثلاثة من مؤسسي الإسلام، ولا لأضرحة علي والحسين في النجف وكربلاء، رغم ما فيها مستمسكات وأدلة دامغة تؤيد تاريخية الأحداث المبكرة أو تنقضها. إلا أن غاية الحلم لا تتعدى دعوة أستاذ التاريخ أحمد نظير الأتاسي والسماح بدراسة قبور عتاة قريش. ولا بأس من إجراء مسح أركيولوجي لتحديد يثرب القرن السابع م؟! فلفظ "المدينة" ذو أصول كنعانية ويعني بدلالته القديمة بضعة بيوت محيطة بمعبد أو قصر (دار الحاكم)، وهي بالعادة مُنشأ ومقرّ تستحدثه السلالة الحاكمة، وليس مكانا لتجمع الأهلين؟! وهذا يختلف كليا عن دلالتها في العصور اللاحقة .
هوامش
:
1- http://www.spiegel.de/wissenschaft/…
2- http://www.zeit.de/2010/16/GES-Intervieu…
3ـ بينيدكت تعني باللاتينية : محمود أو محمد ومنه اتّخذ البابا الحالي لقبه التشريفي، وكاتب السطور يرى أنّ جذور التسمية ربما تعود للغات المشرق كأن تكون مشتقة من "بن فلان"
4ـ نشر في مجلة Zeitsprünge عددي 2/ 1993 و 2/1994 ص: 20ـ 39بعنوان:
Pseudo-Papst erfindet Fegefeuer und einen Vater des Abendlandes
5ـ عنوان الدراسة:
Das Grab des Paulus- oder: Viel Lärm um nichts
http://www.radikalkritik.de/Paulusg…
ردود قراء الأوان:
صفاقس - محمد الشعري
13 حزيران (يونيو) 15:20
لا يمكن لعاقل إلا أن يضم صوته إلى هذه الأصوات العقلانية المطالبة بإجراء الفحوصات العلمية للتراث و لكل ما يتصل به من آثار و من رفات أفراد تاريخيين.
فتلك الفحوصات المرجوة تساعم في الكشف عن الأنشطة المتكتمة على إستخدامات الإيحاء أو التخاطر المكون للأديان و المتسبب في تفشيها و إستفحالها إلى حد الآن في عدة مجتمعات.
هذه قضايا علمية جديرة بأن يعتبرها المناضلون السياسيون و الثقافيون من أولوياتهم التنموية. فهي جزء لا يتجزأ من محوهم للتجهيل الديني و من كشفهم للكذب و للفساد في العديد من فئات المجتمع و من مؤسسات الدولة.
أتمنى أن يساهم إخواننا المتدينون العرب في هذه الأعمال العلمية المرجوة بمثل أو بأكثر مما ساهم به الأستاذ هيرمان دِتِرنغ H. Detering . فالأديان هي مجال تخصصهم. و ينبغي بالتالي أن يكونوا هم أول من يحرص على فرض الحقائق العلمية في إشتغالهم بموادهم التراثية و الأسطورية و بمكوناتهم الدينية و الخرافية. إنها قضية مصداقيتهم التي أتمنى أن يشاركوا بها في عصر الشفافية و الإفصاح. و أعتقد أنها أمنية الكثيرين منهم أيضا، حسبما يبدو جليا في الإنترنات من كتابات جريئة و عميقة لا يمكن أن تصدر إلا عن مشتغلين محترفين بالشؤون الدينية.
ميسان - عبد الكريم معن
13 حزيران (يونيو) 16:57
الأستاذ نادر، هذا عمل جيد و محترم، و فيه تبدأ عملا في الفكر الديني المسيحي من وجهة نظر تحليلية نقدية تاريخية، وتزاوج بذلك بين هذا و الاشتغال على الإسلام كتاريخ و عقيدة. أشير إلى أن السعودية كانت قد سمحت في فترة بالأبحاث الأركيولوجية لفترة، لكنها منعتها بعد فترة وجيزة، بعيدا طبعا عن قبور مؤسسي الإسلام، و اشير أيضا إلى أن بينيديكتس تعني أيضا المبارك، كما في بيني الفرنسية. شكر و تحية.
Ruston, Louisiana - أحمد نظير الأتاسي
14 حزيران (يونيو) 06:47
تحية أستاذ نادر. دائماً تتحفنا بمواضيع مختلفة وشيقة ومثيرة للفكر. نعم أؤكد أني طلبت في إحدى تعليقاتي أن تسمح لي (أو لنا) السعودية بتنقيب قبور كفار قريش باعتبار أن تنقيب قبور أوائل المؤمنين يثير الجدل والسخط. وأقترح أن نبدأ بحملة إعلامية عنوانها "كفاية كذب، دعوا نظير ينقب في مقابر قريش." يجبرني عملي على تدريس مواد خارج اختصاصي ومنها مقدمة إلى تاريخ أوروبا الوسطوي والحديث، لأنها من المواد التي يجب على أغلب الطلاب أخذها، فهي من باب "الثقافة العامة". لكنها في الحقيقة مادة متخومة بالأيديولوجيا غرضها إنتاج مواطنين يؤمنون "بالتاريخ العظيم للعالم الغربي." المؤسف في الأمر هو أن الغرب يتهم الآخرين بعشق تاريخهم أكثر من عشق حاضرهم أو مستقبلهم وبعدم إخضاع هذا التاريخ للنقد واستغلاله في بناء أيديوجيات قومية باهتة قائمة على عصور ذهبية وهمية. لكن الحقيقة هي أن الغرب يفعل الشيء ذاته. لكن الغرب لا يزال في مرحلة قوة وبالتالي هو يفرض تعريف "الحقيقة". وإذا اقترح الأستاذ نادر أن الفترة من 600 إلى 900 ميلادية هي فترة مظلمة وغامضة في تاريخ أوروبة فأنا أضيف إليها الفترة من 400 إلى 600 ميلادية. وأيضاً يمكن للقارئ المتأني الطعن بفرضية الهجرات البربرية الجرمانية وقضائها المزعوم على الإمبراطورية الرومانية الغربية. ويمكن الطعن بوجود مايسمى بالنظام الإقطاعي وبمفهوم العصور الوسطى، وبكثير من المسلمات الغربية التي انتقلت إلينا كمسلمات أيضاً. وليس دراسة تاريخ أوروبا بالنسبة لنا ترفاً فكرياً بل هي ضرورة. وكما يرى قارء هذه المقالة أن تاريخ أوروبا يعيدنا دائماً إلى تاريخ الشرق الأوسط والعصور الإغريقية والرومانية والمسيحية المنسية التي هي جزء أساسي من تاريخنا ولا بد أن تدخل في تعريف الهويات المحلية للدول العربية المختلفة.
إن أسماء مثل بولس ومرقص وبطرس ويوسيبيوس يجب أن تصبح مؤلوفة لدينا كمحمد وعمر وجرير. يجب أن نتيح للراغبين تعلم اللغات اللاتينية والإغريقية القديمة كما نتيح لهم تعلم العربية القديمة. مقالة عظيمة، شكراً جزيلاً على تقديم هذه الدراسات الجديدة لقراء الأوان ولقراء العربية بشكل عام.
طرابلس - جهاد مدني
14 حزيران (يونيو) 21:50
سيد نادر قريط كان الجميع يعتقد بأن العهد القديم هو المصدر الوحيد لتاريخ البشر إلى أن بدأ داروين بنشر أبحاثه تباعاً في نظرية النشوء والأرتقاء ليعلن أن للتاريخ وجه أخر يحكمه العلم بالأدلة والقرائن وليس فقط بالميتافيزيقا والأسطورة. ذلك أحدث في حينها لغط وجدل كبير يوازي حجم الأكتشاف الذي قدمه للبشرية والأن اصبح من المألوف. يبدو أن الأوان قد آن لتسليط المناهج الحديثة في البحث على جل مانسميه بالتاريخ بكل حقبه التي كنا نعتبرها من المسلمات لكي نعرف على الأقل ماكان وليس ماأراد كتبة التاريخ أن يكون. أشكرك على هذا وكل مقالاتك المعرفية التي تنشرها في هذا المنتدى. سلام
Wien - نادر قريط
15 حزيران (يونيو) 09:03
بداية أشير إلى أن هذا النموذج النقدي، لم يهدف نقد المسيحي تخصيصا (فقد أشبعت نقدا على مدار القرون الماضية)..بل تسليط الضوء على اللغة النقدية السائدة، بهدف توطينها أو تدجينها في فضائنا اللغوي.. وربما يكون إختيار لاهوتي لهذه المهمة يحمل بعض المفارقة والطرافة، لكنه يسهل إمكانية إقتحام اللامفكر فيه داخل لغتنا العربية. مع ذلك أشارك الأستاذ محمد الشعري ولو من باب التمني، فدعوته للمتدينين بتقديم مساهمات علمية في هذا الصدد، تصطدم بالواقع الراهن (السياسي والثقافي) وهو عائق حقيقي..أيضا أتفق مع الأستاذ عبدالكريم معن فكلمة بنكدت ترد في الألمانية بمعنى "المبارك" Gesegnete Derفشكرا على التصويب وسبق أن قرأتها أيضا بمعنى Der gepriesne "المحمود"وهذه صفات وليست أسماء وهي تتكرر في البناء القصصي الديني وشخصيا كتبت مرة عن ذلك في الاوان فأسماء (ابراهيم يسوع محمد علي عائشة حفصة زينب سودة ..إلخ كانت صفات مصممة لخدمة البناء الروائي وليست أسماء حقيقية أيضا الأسماء الأجنبية مثل بطرس مرقص فقد جاءت بنفس السياق) أما بشأن غموض الفترة بين 400 و600 م التي ذكرها الأستاذ نظير الأتاسي فهي كذلك. كثير من الأحداث كانت قصصية غامضة (تاريخ القوط ولغتهم في اسبانيا مثلا) لكن وجود جوستنيان في القرن السادس ومبانيه الكثيرة (آية صوفيا) أنقذ تلك الحقبة بعكس الفترة بين 600و900 .. وربما أقدم مستقبلا رؤية النقد المتطرف التي لخصها أحدهم بخمسين تساؤل وحجة تفند تاريخية تلك الفترة التي يتوقف فيها الإنتاج الكتابي والعمارة ..إلخ ليس فقط في بلاد الفرنجة بل في إسبانيا وصقلية والمشرق البيزنطي، والتاريخ اليهودي، وهي مهمة لأن الإسلام المبكر يقع ضمنها، وهذا يعكسه الصمت المطبق للتراث الكتابي المسيحي والبيزنطي واليهودي وعدم تناوله للإسلام المبكر.
أتفق مع الأستاذ نظير بضرورة تبني الحقبة الهلينية والبيزنطية وتعميقها في الثقافة العامة للعرب كجزء من موروثهم وليس كثقافة أجنبية غريبة..فمن يكون يوسيبيوس القيصري ياترى؟؟ حتى لسانيا هو "يوسف" الذي تصل جذور إسمه بمربي الإله المصري"حورس"؟؟
أشكر أيضا مساهمة الأستاذ جهاد مدني، لكن السؤال إلى أي مدى يمكن أن يذهب الباحث، ففي الحالة الإسلامية الأمور يسيرة فهناك عظام (عظماء) وقبور ..كيف سيكون الحال إذا تناقضت مع الأركيولوجيا؟ ماذا لو أن المسح الأركيولوجي أثبت أن يثرب القديمة تعود للقرن الثاني أو الثالث الهجري؟..ماذا لو أن تحليل د.ن.آ لم يُثبت صلة قربي بين قبور الأوائل الذين يُفترض أنهم أقارب؟أسئلة مهمة للبحث والفضول المعرفي لكنها لن تمنع الناس من شراء بطاقات الحج وزيارة تلك الأماكن مع التحية للجميع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق