
لغز الإسلام المبكر 2
في كتابهما ( لا أبواق أمام أريحا: الحقيقة الآركيولوجية للكتاب المقدس )* قدّم إسرائيل فنكلشتاين، من المعهد الآركيولوجي في جامعة تل أبيب، ونايل سيلبرمان، رؤية جديدة لأرض التوراة، فالمسح الآثاري لفلسطين أثبت بشكل قاطع، أن منطقة يهوذا التوراتية، كانت قبل 2600عام من زمننا، أرضا جرداء يجوبها الرعاة ويسكنها بعض الفلاحين (الطفرانين)، وبالتالي فإن قصة الخروج من مصر بقيادة موسى، والإستيلاء على كنعان، ونشوء المملكة الموحدة والعصر الذهبي لدولة (يهوذا وإسرائيل) تحت داوود وسليمان ماهي إلا أسطورة خلقتها الأجيال اللاحقة بقوة المخيّلة، وكما أثبتت الحفريات فإن أورشليم القدس، تحت حكم سليمان، (931، 970 ق.م) لم تكن أكثر من قرية( ستون هكتارا) بدون هيكل أو معبد وبدون قصر أو بطيخ!!فهيكل سليمان الذي وصفته التوراة بشكل دقيق، لم يُبن إلا في إذهان الكهنة، ويخلص الكاتبان إلى أن عقيدة التوحيد، نشأت بعد ذلك الوقت، بزمن طويل !! وقد سبب هذا الكتاب صدّمة، لمن تشبث بتاريخية الكتاب المقدس، ولطمة للأورثودوكسية اليهودية.؟
فما معنى أن تكون قصة الآباء من ابراهيم( بحدود 1800ق.م) حتى سليمان ( 930ق.م ) قصة أسطورية أنتجتها المخيّلة القصصية؟ أظن أن المسيحية سوف تبتلع القصة، وتضحي بهؤلاء الأنبياء، فهم بكل الأحوال عبئا عليها! حتى وإن نُسب المسيح إلى سلالتهم( داوود) !! فهي أساسا ديانة تمحورت حول عقيدة العماد بالروح القدس، والتجسد المسيحي( القربان المقدس ) واعتبار صليب الجلجلة طريقا للخلاص والأبدية. أما مقولة: أنا ما جئت لأنقض الهيكل، بل لأتمم الناموس، فهي مقولة تهافتت، منذ استطاعت الكنيسة الهيلينية أوالعوّلمة البولوسية ( بولس) من إقتلاع المسيحية من جذورها اليهودية( إلغاء الختان، علامة الميثاق بين ابراهيم والله ) ..والأهم برأيي أن المسيحية، تعرضت لزلزال الحداثة، التي أثمرت أخيرا عن قيام لاهوت تنويري، فرضته قطيعة أبستمولوجية نأت به بعيدا على لاهوت توماس الإكويني والتراث اللاتيني القروسطي، وبالتالي، أصبحت تنظر إلى القصة الدينية ( من ولادة آدم وحواء إلى المسيح) كونها قصة دلالية رمزية، تحمل بعدا خلاصيا وقيميا ليس إلا
لكن كيف سيتحمل الإسلام فاجعة فقدان كل هؤلاء الأنبياء، سيما وأن النص القرآني حافل بقصصهم؟؟ قد تكون الإجابة على هذا التساؤل بسيطة فالإسلام هو الآخر أنشأ مقدسه، وراكم رأسماله الرمزي(قرآن، نبّوة، صحابة، آل بيت، كعبة، كربلاء، لغة) فالدين في نهاية المطاف ليس مجرد تساؤلات وجودية ميتافيزيقية، إنما كيان تاريخي، يدور حول رموزه، وطقوسه الخاصة. ويزداد الأمر يسرا إذا عرفنا أن صورة هؤلاء الأنبياء في النص القرآني، تختلف عن مثيلها في الكتاب المقدس، فهم أشبه بقبيلة ميتاتاريخية مقدسة تكاد تقترب من بيئة وزمن محمد؟ والأصح فإن المرء لايعرف أين ومتى عاشوا. وباستثناء رفع ابراهيم لقواعد البيت ( تحديد مكاني ) وأمور قليلة أخرى، فإننا نعجز عن فهم المساحة الزمكانية التي تحركت بها تلك القبيلة المقدسة.
ختاماً وبعد درس إبن خلدون الذي يلزمه حبة أسبرين، وبعد لكمة إسرائيل فنكلشتاين الآركيولوجية، التي كسرت أنف الدوغما. أرجو أن تتمعّنوا بهذا النص الصقلّي( من جزيرة صقلية )، فقد نقش على ضريح السيدة آنّا باللغات العربية والعبرية واللاتينية :
توفيّت آنــّا أمُ القسيس ِ آكرزانت قسيس ِ الحضرة المالكة الملكية العالية العلية المعظمة السنية القديسية البهية المقتدرة المعتزة بالله المقتدرة بقدرته المنصورة بقوته مالكة انطالية وانكيردة وقلورية وصقلية وافريقية معزّة امام رومية الناصرة للملة النصرانية صمّـد الله مملكتها .. يوم الجمعة العصر العشرين من اوسط سنة ثلاث واربعين وخمسمائة ودفِنت في الجامع الأعظم ثمّ نقلها ولدها بالمستجدِّ الى هذه الكنيسية سانت ميكائيل يوم الجمعة اول ساعة العشاء عشرين مايو سنة اربع ٍ واربعين وخمسمئةٍ وبنا على قبرها هذه الكنيسية وسمّـى الكنيسية سـانت آنــّا عن اسم امّ السيدة مريم والدة المسيح فرحم الله من قرأ أو دعى لها بالرحمة آمين آمين آمين
. للموضوع صلة*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق