نادر قريط2006/07/11
لاأظن أن اسرائيل تستطيع اتهام أبي حيّان التوحيدي بعداء السامية، فهذا المصطلح من بنات أفكار القرن الثامن عشر، وأبو حيّان كان قد شبع موتا، ولا تستطيع وصمه بالأصولية والتطرف، لأنه كان من أكابر ثلاثة ، نعتهم التاريخ الإسلامي بالزندقة، وقبل التعرض لنصّه أود الإشارة الي أن القضية الفلسطينية، قد دخلت مع أسر الجندي شاليط منعرجا جديدا، يتمثل في الصمت العالمي المخيف، إزاء مايحدث من حصار وتنكيل بالشعب الفلسطيني،ولا أستغرب أن تمارس إسرائيل قريبا حقها في القرصنة الدولية وإستباحة المدن العربية (البعيدة) وقصفها، حتي وإن كان السبب، مقالة صحفية، أو حادث إصطدام مرور عادي بين دراجتين، أو تعرض سائق إسرائيلي لإهانة أو نشل لمحفظته!! ولا أستبعد أن تفرض إسرائيل علي دول النفط، العربية جزية يتم ضخها عن يد وهم صاغرون!! وأن تطالب بحصة من ريع الحج، بسبب حصتهم التاريخية في إبراهيم ( الذي رفع قواعد البيت المكّي) ولا أستغرب أن تطالب قريبا بتعويضات مالية لضحايا بني النضير وخيبر وقينقاع، وأتاوات عينية من الراغبين بالجلوس علي كراسي الحكم، وبعكسه يكون الحصار ثم الجزاء المقسوم ( إختصار: مقتول مسموم) وكل هذا ليس رجما بالغيب، أو رسما للشيطان علي الجدار، بل قراءة موضوعية لصيرورة الأحداث، فاللغة التي استأثرت خلال الخمسين سنة المنصرمة بلغتنا وخيالنا..والتي حوّلت مدن كاللد والرملة وعسقلان ويافا..إلي رموزتقتحم قصائدنا دون إستئذان، وإلي ذروات أدبية(كالبيّارات،وأشجار التين والزيتون،وقبة الصخرة، وكنيسة المهد، ودماء الشهداء وحنظلة، و زهرة المدائن)هذه اللغة لم يعد بإمكانها رسم فضاء تقديسي، لفلسطين، ولم تعد قادرة أيضا علي صياغة عقلية جديدة تخضع لمعادلة القوة والعنف، لقد بدأت فلسطين كلوحة وجدانية وتعبيرات صوفية مقدسة، ورأسمال رمزي، تتآكل بفعل الزمن ورطوبته، وبسبب مزاحمتها بصور التلفزة البصرية، وإنسحاق اللغة الشعرية، وتراجع المخيّال الجمعي، أمام طغيان حضارة الإثارة الحسّية والإستهلاك.. لكن الحقيقة (التي كادت تغيب عن أذهان الكثيرين)، أن اسرائيل ما تزال نكتة سمجة، وبصقة علي جبين الإنسانية، لأنها قامت علي صكوك عقارية إلهية ( فقانون ملكية أراضي اسرائيل، يحجب حق الملكية عن غير اليهود!! تصوّروا لو أن حق الملكية في فرنسا يقتصر فقط علي الكاثوليك؟؟)من هذه النقطة، وجب علي الوعي العربي أن يعيد تأسيس مبانيه العقلية، باعتبار اسرائيل كيان ابارتهايد يقوم علي مزاعم قروسطية بائدة، تتنافي مع قيم الإنسان وعصر الأنسنة، أما الإنقياد الأعمي، والسقوط في فخ الجدل الأركيولوجي والدوغمائي والبحث حول المسجد الأقصي، أوكنيسة القيامة(رغم ثقلهما الرمزي )عن أثر لحافر البراق، أو مسمار من صليب الجلجلة، فيدخلنا في مأزق أسطوري، يساعد في هدر دم القضية في اللامعقول والعبث التاريخي، الذي يحاول إثبات حق اليهودي الروسي والأوكراني والبولوني في الوجود، وحق العربي في العدم، إنه نفس المنطق الأسطوري الذي يردده من ينتظر، بوق إسرافيل وحلول آخر الزمان، وقبل عرض نص أبي حيّان، أعترف بأن شعورا من تأنيب الضمير والإثم ، قد تملكني، تجاه الكثير من أتباع الدين الموسوي، الذين يشتركون معنا في مساحة الأخوة الإنسانية، ولا يقتسمون مع الصهيونية مساحة الرعب والجريمة، التي تقترفها علي أرضنا ..
إلي اولئك وكثير ممن أنحني لهم إحتراما ، أستبطن الإعتذار مقدما (حتي وإن كان النص تاريخيا) آملا أن لايكسر قلوبهم لفرط قسوته:
وحدثني أبو الحسن عليّ بن هارون..قال:
"اصطحب رجلان في بعض الطرق مسافرين:مجوسّي من أهل الرّي، والآخر يهوديّ من أهل جيّ، وكان المجوسيّ راكبا بغلة له عليها سفرة من الزاد والنفقة وغير ذلك، وهو يسير مرفها وادعا، واليهودي يمشي بلا زاد ولا نفقة،فبينما هما يتحادثان إذ قال المجوسيّ لليهوديّ:
ما مذهبك وعقيدتك يا فلان؟قال اليهوديّ:
أعتقد أن ّفي هذه السماء إلها هو إله بني إسرائيل، وأنا أقّّدسه وأضرع إليه،وأطلب فضل ما عنده من الرزق الواسع والعمر الطويل مع صحة البدن، والسلامة من كل آفة، والنصرة علي عدوّي، وأسأله الخيّر لنفسي ولمن يوافقني في ديني ومذهبي، فلا أعبأ بمن يخالفني، بل أعتقد أنّ دمه يحلّ لي، حرام عليّ نصرته ونصيحته والرحمة به، ثم قال للمجوسيّ: قد أخبرتك بمذهبي وعقيدتي وما اشتمل عليه ضميري، فخبّرني أنت أيضا عن شأنك وعقيدتك وما تدين به ربّك؟ فقال المجوسيّ:
أما عقيدتي ورأيي فهو أني أريد خيّرا لنفسي وأبناء جنسي، ولا أريد لأحد من عباد الله سوءا،ولا أتمني له ضرا، لا لموافقي ولا لمخالفي.فقال اليهوديّ:وإن ظلمك وتعدّي عليك؟قال:
نعم،لأني أعلم أن في هذه السماء إلها خبيرا عالما حكيما لا تخّفي عليه خافية من شيء، وهو يجزي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.فقال اليهوديّ:
يا فلان ، لست أراك تنصر مذهبك وتحقق رأيك، قال المجوسيّ:
كيف ذاك؟ قال:لأني من أبناء جنسك، وبشر مثلك، وتراني أمشي جائعا نصبا مجهودا، وأنت راكب وادع مرفّه شبعان.فقال :
صدقت ، وماذا تبغي؟ قال:اطعمني من زادك، واحملني ساعة، فقد كللت وضعفت. قال:
نعم وكرامة.فنزل ومدّ سفرته وأطعمه وأشبعه، ثم أركبه، ومشي ساعة يحدّثه، فلما ملك اليهوديّ البغلة وعلم أن المجوسي قد أعيا حرك البغلة وسبقه، وجعل المجوسيّ يمشي ولا يلحقه، فناداه:
يا فلان ، قف وانزل ، فقد انحسرت وانبهرت فقال اليهودي:
ألم أخبرك عن مذهبي وخبرتني عن مذهبك، ونصرته وحققته؟فأنا أريد أن أحقق مذهبي وأنصر رأيي واعتقادي. وجعل يحرك البغلة والمجوسيّ يقفوه علي ظلع وينادي:
قف يا هذا واحملني ولا تتركني في هذا الموضع فيأكلني السبع وأموت ضياعا وارحمني كما رحمتك ، واليهوديّ لايلوي علي ندائه واستغاثته، حتي غاب عن بصره.....الخ إن هذه الأمثولة تصّور المناخ العقلي والثقافي الذي ساد أيام التوحيدي،(القرن الرابع الهجري)، وتنقل صورة حيّة للسجالات الدينية والأخلاقية آنذاك ، وكأنها تقول لنا، أن فلسطين اليوم هي البغلة، التي ملكها الصهيوني، وإستأثر بما عليها من طعام وماء؟ في وقت يصرخ الفلسطيني في هذه البرية (المعولمة) ولا من مجيب، ويجوع في هذا القفر (العربي والدولي) الموّحش دون مغيث. ختاما أود التذكير بأن للحكاية بقية ( في الإمتاع والمؤانسة ) ولفلسطين بقية في ضمائرنا وعقولنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق