الصيغة الفعلية لكلمة "اورينت: شرق" تعني "التوجه إلى مكان أو هدف" سواء بإستخدام البوصلة، أو بالميول والأفكار، وكأن "الشرق" نقطة للإهتداء (والهداية) وفي هذا إعتراف فيللوجي قديم بأثر الشرق وتحكمه في توجه الغرب.
الآن إنعكست الآية فالإستشراق يثير حفيظة الكثيرين منّا وأحيانا مقتهم، مع أننا ندين له بأمور جليلة. أهمها كشفه للنقوش الكتابية وعثوره على المخطوطات السائبة. ونفخ الحياة في أمثال الحلاج والقرامطة وشعراء كان قد طمسهم ركام الأزمنة، وما نعرفه اليوم عن حضارات الشرق القديم (موضع التفاخر والتنافخ والعزة الوطنية) إكتشفه أيضا مستشرقون ؟
لكن الإستشراق يظلّ محاولة إقتحامية هدفها إخضاع صورة العالم لنظام رؤيته.. فما بُذل في ميدان اللسانيات والأديان المقارنة وتأويل اللقى الأركيولوجية ..إلخ لم يخرج عن هموم الغرب في البحث عن ذاته.. وشئنا أم أبينا فإن كراسي الأستاذية في الجامعات لم تنأ عن هيمنة ثقافة يهو مسيحية، وعداء مكبوت للعالم الإسلامي.. عداء تأجج وخمد على إيقاع صدام بدأ مع الحروب الصليبية (1096م) وإستفحل مع الإجتياح العثماني لأوروبا وبلوغه أسوار فيينا..إلا أن الصدام الفكري والعقائدي تراخى نسبيا منذ إنهماك أوروبا بالذهب المتدفق من أمريكا، وبالحداثة ولم يستيقظ فعليا إلا مع تدفق الذهب الأسود في صحراء العرب، فالعالم الإسلامي لم يكن هدفا بعينه، بل كان جزءا من إستشراق كليّ بلغ الهند والصين، وتمدد في أرجاء المعمورة (1)
وعموما فإن الجهود الكبرى للإستشراق نهضت بالدرجة الأولى على ترجمة المدوّنة التاريخية العربية دون تعريضها لمطرقة نقد راديكالي، يهزّ أسسها . فمعظم دارسي الإسلام الكبار قبلوا الخطوط العامة دون تمحيص، فدعوة محمد في مكة والهجرة ودولة الخلافة في يثرب والفتوحات السريعة كانت من المسلمات، وكأن بهم يقولون: أهل مكة أدرى بشعابها، أما نبيّ الإسلام فلم يستقطب نظرهم تماما وظلت الرؤية إليه مضطربة وضبابية.
ولكم يعجب المرء لعدم وجود وثائق مسيحية غربية مبكرة تتناول الإسلام، الذي يُفترض أنه عبر جبال البيرينيه ووصل جنوب فرنسا حوالي عام 720م، وبغضّ النظر عن بعض الوثائق الهزيلة غير المؤكدة، فأول كلام عن محمد ربما يكون في أغنية رولاند في القرن 10 التي تعكس تصوّرا آخرا يعارض ما نعرفه عنه، فالشاعر زجّ محمدا ضمن ثلاثة آلهة وثنية يعبدها المسلمون، وهذا الأمر يبدو مبررا إذا عرفنا أن أوروبا في ذلك الزمن الحالك كانت تعيش بدون حساب وتراجم وتقويم وفلك وطب، والدليل أن البابا اوربان الثاني دشن أولى الحروب الصليبية دون أن يعلم شيئا أكيدا عن الإسلام (2)
ولعل سقوط طليطلة بيد القشتالي ألفونسو عام 1085م مثّل البداية الحقيقية لمعرفة وترجمة الكتب العربية بما فيها القرآن. وبرغم هيمنة روح الصدام، فقد نظرت أوروبا القروسطية بنوع من الإعجاب لحضارة المسلمين، تجلت ذروتها في ثوب تتويج الإمبراطور فريدريك الثاني عام 1220م، الذي طرزته الحروف العربية. ناهيك عن أن النخب آنذاك كانت تتباهى بمعرفة اللغة العربية بما فيهم الإمبراطور نفسه. إلا أن النظرة لمحمد إقترنت دائما بالسلبية وترواحت بين تجسيده مرادفا لوحش "رؤيا يوحنا" أو منشقا مهرطقا يستحق الشطر من رأسه لأخمص قدميه كما في "جحيم دانتي“.
وبتصوري هذا أمر مفهوم فكل ديانة تعتبر نفسها طريق الحقيقة والخلاص وخاتمة المطاف، واليهود ورغم أنهم يعيشون الآن في كنف عالم مسيحي فما زالوا ينظرون للمسيح كمارق، ويدعون عليه في صلواتهم متمنين له الخلود في غائط مغلي، ناهيك عن أنه حسب التلموذ „إبن الجندي باتيرا“ (تعني: قواد).
وعموما فإن نجاح الأركيولوجيا في تفنيد قصص آباء الكتاب المقدس (قصة الخروج ـ مملكة داوود وسليمان) فتح الباب واسعا للتشكيك بتاريخية الأحداث المؤسسة للأديان، وتدريجيا إستطاع باحثون ولاهوتيون كبار من أمثال يرونو باور وشفايتسر وفرنر وديتيرنغ رفع الحصانة عن تاريخية المسيح
(وحتى بولس) ووضعه في مرمى النقد، وإعتباره جزءا من أدب نسجه الخيال الديني .
ولزمن قريب إكتفى الغرب بنقل سيرة محمد كما وردت في كتب الموروث الإسلامي، ففي عام 1860 و 1864 أقدم فيستنفيلد وفايل على ترجمة سيرته للألمانية من مصادرها العربية، وفي منتصف القرن الماضي أصدرها الإسكتلندي منتغمري واط في كتابه (نبي ورجل دولة) وكان أول من طرح علامة إستفهام حول تاريخية محمد ومصداقية سيرة بن إسحق ؟
معللا ذلك بعدم قبوله للرواية الشفهية كمصدر لتاريخ مؤكد، إضافة لما تتضمنه السيرة من سرد أسطوري وبناء أدبي قصصي، وهنا أود الإشارة إلى كتاب آخر بعنوان : "جمهرة الأنساب" للألماني كاسكل 1966 الذي تضمن دراسة قيّمة وتحليلا وجداول لشجرة الأنساب العربية. وفيه يرى كاسكل أن هذه "الجمهرة" المنسوبة لمحمد بن السائب بن بشر الكلبي (توفي عام 763م) لم تذع إلا على يد محمد إبن حبيب (توفي عام 860م) بعد أن تعرضت إلى تغيرات مهمة بسبب تحوّل القبائل بين حياة الرعي والإستقرار أو إنضمامهم لمعسكرات الجند أو نشوء تحالفات قبلية جديدة إمتدت أحيانا لتشمل شرق الجزيرة والعراق وخوراسان كما في حالة بكر وربيعة إبان العصر الأموي.. هذه التحوّلات الكبرى أدت حسب كاسكل إلى تشويه الحقائق التاريخية، ومن ثم إعادة إسقاط هذه التشوّهات على ماضي شعري مُتخيّل. وكلما إزداد إضطراب الروايات إزدادت الحاجة لإختلاق نصوص شبحية إضافية محمولة على أجنحة فانتازيا الشعراء، الذين لا تهمهم حقائق التاريخ بقدر رغبتهم في تصميم الماضي حسب حاضرهم(3) لذلك ليس من الغريب أن نقرأ في الموروث إلتباسات وسقطات تكشف بسهولة تهافت شجرة الأنساب (4)
السيرة بحسب هانس يانسن:
بداية لابد من إسداء النصيحة للكثيرين وعدم تضييع وقتهم وقراءة كتابه، فخطابه موجه لمن تحرر من أسر الدوغما، وليس لمن يسكن في غياهب الماضي فالدوغمائيون متفقون على معرفة محمد، وكأنهم قابلوه مساء البارحة. فهم يعرفون عنه كل شيئ. ليس فقط عن أنصاره ومهاجريه وآل بيته وحروبه، بل عن طوافه على زوجاته آخر الليل (وعن أم أيمن التي كانت تتبعه بالماء ليغتسل) .
كيف لا؟! وهم يملكون جبالا من المرويّات التي تحكي تفاصيل دعوته وأحاديثه وما سنّه لأمته. لكنهم للأسف يغمضون عيونهم عن بديهية مزلزلة تقول بأن كل ما يعرفونه عنه، وصلهم عن شخص واحد إسمه محمد بن إسحق، وكل ما يلعقونه أتى من مغرفة واحدة إسمها بن إسحق .
إحدى الصحف الألمانية المعروفة نشرت قبل زمن تقريرا بعنوان ذي مغزى: "محمد والإنجيل وليلى والذئب" يقول كاتبه دان دينر (5):
إن بعض مجتزءات سيرة بن إسحق تطرح السؤال التالي: كيف كان ممكننا أن تنطلي هذه المجموعة القصصية على باحثي الغرب ولمدة قرن، ولماذا تعاملوا معها كمصدر للتاريخ. أوليس هناك إجماع أكاديمي حول قصة ليلى والذئب (6) والأوديسة والإنجيل. فالأولى لم تعد مصدرا لمعرفة مكنونات عالم الغابة والحيوان (..) وبواسطة الأوديسه لا يمكننا رسم أية خريطة للبحر المتوسط، كما أن الأناجيل ليست مصدرا تاريخيا لمعرفة حياة وممات يسوع إبن الناصرة"
كلام دينر أعلاه جاء بمناسبة حفل تقديم كتاب ( محمد ) (7) للهولندي هانس يانسن، أستاذ الإسلاميات في جامعة أوترخت الهولندية. يانسن هذا لم يبخل على جمهوره ببعض الدعابة وخفة الدم. فعرضه لسيرة محمد ومقاربتها مع الإنجيل والأوديسه ورفض قبولها كوقائع تاريخية دامغة، كان يمكن أن يمر، إلا أن تشبيهه إياها بقصة ليلى والذئب، قد ترك إبتسامة عريضة على محيا جمهوره من اللادينين..
وبرغم بعض الإنتقادات لهزله، إحتفظ الكاتب بكثير من الجدّية، ولم يبخس الإسلام ويحط من قيمته. فغرضه الرئيسي تمحور حول عرض سيرة محمد بنفس الآلية التي إتبعتها دراسات التنوير الأوروبي في نقدها لعهدي الكتاب المقدس . وهذا أمر واضح جليّ يلمسه القارئ مع أولى سطور كتابه. لهذا سأقتصر هنا على تناول بعض النقاط المهمة الورادة في مقدمته وترجمتها بتصرف تحاشيا للإسراف أو إجترار التفاصيل المعروفة :
إن رواية الإسلام (حسب يانسن) تشبه رواية المسيحية فهي ذات هدف وعظي برداء قصصي. فالأجيال الأولى لم يكن لديها مشكلة مع سرد الحكايا الخيالية. والأجيال اللاحقة لم تعد قادرة على رؤية ذلك الميل الأيماني لأسلافهم، لكنها إمتلكت الرغبة لقبول قصصهم وتصديقها، فالموروث الإسلامي قدم محمد بصورة متناقضة:فهو "الأمين" الذي حاز على ثقة أنصاره وبنفس الوقت الشخص الذي أثار محيطه (المكي) وعرضه وأنصاره للذم والهجرة..وهذا يتشابه مع قصة إبن الناصرة: حيث زحفت الجموع لسماع مواعظه، ثم إستقبلته في اورشليم بحفاوة، وبعد أسبوع تجمعت حول مقر الوالي بيلاطس، وطالبت بصلبه كمثير للشغب؟
وفي نقطة إحترازية ينبّه يانسن إلى أن التشكيك بتاريخية الرموز الدينية لا يُضمر الشر. ولن يغير في الأمر كثيرا، لأن علماء سوسيولوجيا الأديان أثبتوا أن معظم البشر يقتدون دينيا أو ينقادون لمحيطهم وذوويهم وليس للكتب والإصدارات. فحتى لو إفترضنا إمكانية إثبات تاريخية يسوع إبن الناصرة، كشخص عاش في فلسطين وصُلب على يد بيلاطس، فهذا ليس دليلا على أنه "الله" حسب توصيف الكنيسة له، والعكس صحيح أيضا فلو أثبتنا أنه لم يعش قط فهذا لا ينفي القيم الإيجابية لعقيدة كنيسته وأثرها على الناس.. أما الأمر في الإسلام فمختلف لأن المسلمين وفقهاءهم يرفضون هذه الحجج..مع أننا أمام نفس القضية. إذ إن أثبات تاريخية محمد لن يثبت إلهية رسالته. ولو أراد الله إرسال وحيه فبإمكانه أن يُبلغه بطرق شتى، كأن يُوحي لكتّاب السير بوجود نبيّ مُتخيّل (وجود نبيّ غير موجود فعلا) وكل من يتبعه يفوز بالآخرة!.
وهنا وإن بدت أطروحات هاينسن حذرة (وتعكس شعورا ضمنيا بوطأة الوجود الإسلامي في هولندا وربما خشيته من سكين طائشة؟) إلا أنه يؤكد بأن ديانات الوحي في الغرب كالمسيحية واليهودية قد تعرضت لعلمنة طويلة ومستمرة وتطبيع مع الدنيا، مما حدّ من تدخلها في حقائق الحياة، وسهّل الفصل بين الحياة الروحية والدنيوية، لكن الأمر قد تباطأ في العالم الإسلامي لأسباب معقدة إن لم يكن قد بلغ طريقا مسدودا، فالمشكلة الرئيسية للمسلمين كما يراها هاينسن هي عدم قدرتهم على الفصل بين الوحي والتاريخ!
وكما سلف ذكره فإن معرفتنا بمحمد ترتبط جوهريا برواية إبن إسحق الذي صاغ السيرة في بغداد حوالي 750 م، وهو حسب الموروث من مواليد المدينة (يثرب) وحفيد لمولى يدعى "يسار" يقال أنه من سبيّ نصارى عين تمر في العراق.
:يقول يانسن
"إن كلّ ما في الموسوعات وكلّ المعارف الأكاديمية والتوصيفات الشائعة التي تناولت حياة محمد، سواء في الغرب أو الشرق وبدون إستثناء تعود لإبن إسحق، حتى آيات القرآن التي أعتبرت دليلا على أحداث دارت في حياة محمد، هي فقط كذلك، لأن إبن إسحق أوردها وربطها بمحمد، وبعكسه كان يمكن تأويلها بطريقة أخرى"
ومع ذلك فهذه السيرة لم تُحفظ بنسختها الأصلية، فقد تعرضت لتهذيب إبن هشام (توفي عام 830م) الذي حذف بعض مداخلها، ولحسن الحظ فإن بعض الكتاب (مثل الطبري) قد إستشهدوا بها مما حفظها من الضياع، والملاحظ أن ما تم حذفه عند إبن هشام كان بعض الروايات التي تصف معجزات محمد، وحضور الملائكة الدائم، وقد جرى تنظيف تلك الروايات لإسباغ طابع عقلاني على السيرة الأولى. وبالتدريج بدأ الملائكة يغيبون عن حضور المعارك وإختفت معجزات محمد. والسبب وراء ذلك كان رغبة متأخرة لخلع رداء من المصداقية على السيرة، وجعلها تبدو وكأنها تاريخا حقيقيا. إذن فمحمد التاريخي هو محمد الذي رسمته "سيرة إبن إسحق" بعد خصم معجزاته من قائمة الحساب
أيضا فإن هاينسن ينضم إلى إطروحات الماركسي مكسيم رودنسون وباتريسيا كرونا، والتي شككت بوجود مكة كمدينة وعقدة تجارية ومنطلق لتوسع أيديولوجية الإسلام في القرن السابع م، وإعتبرت دورها التجاري المزعوم في ذلك الوقت من مملكة الخيال، ويفتقد لأي دليل تاريخي يؤكده. إذن نحن حسب يانسن أمام أدب ديني إختلقه رواة التاريخ وفي هذا الصدد يقول:
„ لقد إعتمدوا قصصا قصيرة مسرحها مكة والمدينة وبطلها محمد. قصص ذات روابط واهية. بعضها حطام قصصي أو عظات وأمثال، إضافة إلى عديد آخر من الحكايا الغامضة والمبهمة، التي غالبا ما تُفسر على أنها شيئ من المعجزة. أحيانا نعثر على خبر تزيّنه التفاصيل، وبعد أن يبلغ الراوي قصده من الخبر، يفتر إهتمامه بأدوار أبطاله فيختم روايته على شكل برقية سريعة، وأحيانا يقطعها بشكل فج..“
ثم يضيف:
„ كل معرفتنا عن محمد أتت من منابع للموروث الإسلامي وهذا أمر يستفزّ المؤرخ الناقد، تماما كالحالة مع يسوع. فهل كان محمد موجودا فعلا؟ إذا كان موجودا حقا، فلمَ لم نعثر ولو على إشارة واحدة (تدلّ عليه) من مؤرخ عاصره، سوريا كان أو عراقيا أرمنيا يونانيا أثيوبيا فارسيا عبريا آراميا؟
لحد الآن لم نعثر على خبر عنه (…) لكن صمت المراجع غير الإسلامية برأي الباحثين ليس حجة قوية، فلربما كان هناك نقش أو وثيقة أو كتاب ضاع وإختفى أثره، في حين ظلّ محمد في وعي المؤمنين حيا، وفوق الشك مرفوعا. لحد الآن لم تظهر أية نصوص معاصرة له تحكي قصته. كل مانعرفه عنه مجرد روايات منمقة أورثها لنا المسلمون، هذا ما لدينا بدون زيادة أو نقصان. لكن من منا
سيعلم بما تخفيه رمال جزيرة العرب؟"
. بيد أن الكاتب سرعان ما يغيّر فرشاة ألوانه ويؤكد بأن الروايات حتى وإن كانت مخترعة فهي تعكس روح عصرها ووعيه، فإبن إسحق لم يختلق كل شيئ. لابد أنه عاش وسط موروث حيّ شكّل منطلقا لمنتخباته السردية الذاتية المشكوك فيها، لقد كان قريبا من معسكرات الجند والجهاد، وسامعو قصصه لم يكونوا من طلبة علوم الفقه واللاهوت، بل كانوا كما يُعتقد محاربين ضمن الجيوش الإسلامية (في القرن الهجري الثاني) لهذا كان على القصّاص أن يولي إهتماما بالمضمون الحربي، كتوزيع الغنائم والسبايا وما شابه. ولعله من المثير حقا أن نتخيّل، كيف كانت ستبدو حياة محمد لو أن
أخباره وصلتنا عن آخرين غير اولئك الحكواتية من قصّاصي معسكرات الجند .
كلمة أخيرة:
لا شك بأن أطروحات يانسن صادمة ومستفزّة للقارئ، وقد تبدو للبعض غير عقلانية، فكيف لنا أن نصدق بأن "حقائق" تربت عليها الأجيال هي مجرد أدب ديني، فالرموز الدينية أكثر من رواية نتقصى جذورها، إنها جزء من هوية ووجدان جمعي ولا يهم حقيقة وجودها من عدمه، فقد صُممت لتكون نبراسا يقتدي بها الناس. بيد أن الأمر لم يستفز كاتب السطور، فطرح هاينسن أصبح من طبيعة العقل النقدي المعاصر الباحث عن أدلة حسيّة توثق له الأحداث والأشخاص، خصوصا أننا في عصر يُطلب فيه ذكر وإثبات مصدر المعلومة، وإلا يُتهم ناقلها بعدم الأمانة العلمية. فالزعم بأن أشخاصا ثقات عدول نقلوا الرواية شفهيا وبكل أمانة لم يعد يقنع من عرف آلية السرد الأسطوري والبناء القصصي وتكوّن الميثولوجيا وعلم نفس التاريخ، فالتدوين وحده حفظ الذاكرة، وبدونه لما عرفنا شيئا عن سومر وإيبلا، ولأندثرت حكاية مصر القديمة، لقد ثبت بالملموس أن الذاكرة الجمعية كانت عرضة لإنقطاعات بسبب الكوراث والأوبئة والحروب، فإسماعيلو الهند لا يعرفون متى وصلوها وكيف، ولم يملكوا تقويما لتزمين الأحداث وحفظ حكايتهم، والقرآن لم يترك لنا تأريخا وكرونولوجيا بل وعظا قصصيا عن أحداث وشخصيات بدت وكأنها قبيلة حجازية مقدسة متاخمة لعصر محمد..ربما يتحامل بعض النقاد إلا أن أسئلتهم لا تقود إلى المعرفة بل إلى إستعادة التساؤل (وتنفيس الدوغما من غازاتها وإحتقاناتها) فالرموز الكبرى لم تترك مذكرات ويوميات كما فعل تشرشل وجوكوف. لقد إختفى المسيح دون أن يترك كتابا (وتبخرت والدته أيضا وصعدت إلى السماء كما تزعم الدوغما) ما وصلنا عنه كان أناجيل من أزمنة لاحقة كتبها آخرون لم يروه قط. وهذا ما حدث مع محمد فهو لم يخط لنا سطرا واحدا، وما وصلنا عنه أتى من أزمنة أخرى ومن رجال قاموا بتلقيمه ما ناسب زمنهم وأحلامهم وشهوتهم.
في لحظات وداعه الأخيرة يخبرنا الموروث أن عزرائيل إستأذن خجلا عند دخوله حجرة عائشة، وقابله على إنفراد، وخيّره بين حياة أبدية يملك فيها خزائن الآرض، وبين ملاقاة وجه ربه، فإختار الثانية فقبضه.. هذه الروايات الإيمانية لم يكتبها محمد ولم يُملها على أحد، فلماذا على يانسن تصديقها؟!
الهوامش:
في عصر نابليون (1814) كان الغرب يسيطر على حوالي 30% من الكوكب، وبعد الحرب الأولى( 1914) أصبح يهيمن على80% من المعمورة-1
2في خطبة إعلانه الحرب الصليبية، كما نقلها مالمسبري عام 1143م يقول حرفيا "بعد سوريا وأرمينيا وأسيا الصغرى، يبدو أن المسلمين قد احتلوا الآن القدس (المفترض أن البابا يلقي كلمته عام 1096م والمفترض أن المسلمين احتلوا سوريا وبضمنها القدس عام 637م) ومنذ مئتي سنة سيطروا على افريقيا، وهي الجزء الثاني من العالم (أيضا أخطأ قداسته بقرنين، فالعرب وصلوا افريقيا عام 640م) ومنذ ثلاثة قرون سيطروا على اسبانيا والجزر البيلارية، وهم الآن يتطلعون إلى ماتبقى"
3- 3 أحد غرائب دوحة الأنساب ربط نسب محمد بن عبدالله بالجد "فهر" عبر أحد عشر جيلا، بينما أبو عبيدة بن الجراح ( معاصر لمحمد ) فتكفيه سبعة أجيال فقط للوصول لنفس الجد (فهر)؟! هكذا وبسهولة تضيع أربعة أجيال
4- Gamharat Alansab: W. Caskel. BandI P. 19, 31, 35
5- Mohammed, das neue Testament und Rotkäppchen
Dan Diener
Die Welt 30-03-2008
6- Rotkäppchen
ليلى والذئب هي ترجمة عربية لقصة أطفال ألمانية من القرن 18 إسمها
7- Mohammed: Der historische Mohammed. was wir über ihn wissen : Hans Jansen 2008
نشر في الآوان
تعليقات الأوان:
القاهره - احمد خيرى
5 كانون الأول (ديسمبر) 03:02
اولا عود احمد سيدى الكريم فدائما مقالاتك تثرى و تفيد برغم الاختلاف حينا اهمية المقال و خاصتا الكتاب المتناول هنا انه يمثل سلوك بحثى اخر غير المعتاد فالمعتاد هو الحديث عن مؤسسى الاديان و منهم النبى محمد على انهم حقائق تاريخيه
الا انه هنا يجب ان اسال عن فائدة دراسه كتلك
بمعنى انه اذا كان الوجود التاريخى لمحمد او ليسوع يحتمل الشك فانه الوجود الثقافى لهؤلاء بانعكاساته السيكولوجيه و السوسيولوجيه حقيقه مؤكده
و عليه ايهما افضل التعامل مع الواقع الثقافى المعاش و نقده على مستوى اطروحاته و ما يقدمه من افكار و اراء اما انه من الافضل الولوج الى البدايه و اعاده طرح اساله حول الوجود التاريخى و حقيقته ؟؟؟؟
خاصتا انه كما يقول كادر هنا ان اثبات الانطولوجيا التاريخيه اليسوعيه او المحمديه لا تغير من الوضع القائم شيئا فالمليارات و الملايين المؤمنه لن تقبل التنازل عن اقدس ممتلاكاتها لانه الاسطوره بابعادها المختلفه تمثل دعامه لوجود المؤمنيين بها ذاتهم
حقيقتا لا اعرف فربما نادر او غندور او اتاسى او غيرهم من رواد الاوان مع حفظ الالقاب لهم اجابه حول تلك النقطه تحديدا
لكنى على ان اؤكد ان الطرح هنا مشوق لانه مختلف و صادم
بقية نقطه اختلف مع ا نادر حول التعميم فى بداية المقال حول الاستشراق و معاداته للشرق ففى راى ان فى ذلك الطرح تعميم و ابتسار شديد نعم لا انكر انطباق القول هذا على بعضهم الا انه لا يمكن ان نقول فان ايس او كلود كوهين و غيرهم من المصابين بعصاب الانا و احتقار الاخر
- - نادر قريط
5 كانون الأول (ديسمبر) 03:53
السادة الأفاضل: أعتذر عن سهو في كتابة إسم: هانس يانسن ..يبدو أني إختصرته في اللاوعي ب "هاينسن" وهناك كلمة في الهامش تقطعت إلى نصفين وهي Rotkäppchen وهي قصة أطفال تدعى بالعربية "ليلى والذئب"
- نارت اسماعيل
5 كانون الأول (ديسمبر) 03:59
شكرآ لك ياأستاذ نادر على هذا المقال المميز وذو النكهة المختلفة، نهجك هذا الذي تتبعه بدراساتك ربما يكون الأسلوب الأمثل لمعالجة هذه الأسطورة التي شغلت العالم منذ 1400 سنة ، وأرجو أن تسمح لي بنشر المقال في صفحتي في الفيسبوك لكي يستفيد منها الناس تحياتي لك وشكرآ على جهودك المميزة
دمشق - مصطفى حروي
5 كانون الأول (ديسمبر) 04:35
" بداية لا بد من تأكيد أنّ محتوى هذا الخطاب ليس موجها للعامة من ذوي التدين الشعبي ولا للدوغمائيين أو هواة النقل الحرفي للماضي " بهذه الجملة الفظة و التي لا تخلو من فجاجة يقطع الكاتب الطريق على كل من يخالفه الرأي و بالتالي محاولة التعليق على مقالته أو مقاربتها نقدياً .. هنيئا ً لك صوتك الواحد و نرجو ألا تمل من سماعه.
-
- - نادر قريط
5 كانون الأول (ديسمبر) 11:32السيد حروري: آسف لأن الجملة أزعجتك، فهي تقوم على تنبيه من صاحب الكتاب (أتبناها جزئيا)أورده بطريقة ساخرة، إذ يقول ما معناه: إن كنت تؤمن بالمعجزات والوحي فاترك هذا الكتاب ولا تقرأه،وإن كنت متحررا من الدوغما فستجد ما يرضيك.تحياتي
-
دمشق - حماد عجيب
5 كانون الأول (ديسمبر) 12:17عطفا ً على مداخلة الأستاذ أحمد خيري حول فائدة إثبات وجود محمد تاريخيا ًمن عدمها , فإن كان الرجل قد إختفى عن مسرح الحدث - في التاريخ - كإنسان و هذا طبيعي , فإن الأثر الذي تركه و هو القرآن , بغض النظر إن كان من تأليفه أو من عند الله , ما زال موجودا ً بل لم ينقطع عن الوجود منذ ذلك التاريخ , و النسخ الموجودة في مقام الحسين و متحف طوبقابو في إسطنبول بالإضافة إلى نسخة سمرقند و التي تعود جميعها في التاريخ للسنوات الأولى التي اعقبت وفاة النبي .. إن وجود هذا الكتاب هو أكبر دليل على ان له كاتبا ً , و لم يدعي أحد حتى الآن أنه هو من جاء به ( غير محمد ) حسب علمنا , بالإضافة إلى قبره الموجود في المدينة و الذي لم تسجل أي منازعة حول عائديته طوال هذه القرون رغم الأهمية و القداسة لهذا الموقع (من الوجهة الإقتصادية على الأقل )
-
دمشق - مصطفى حروي
5 كانون الأول (ديسمبر) 14:04حسنا ً إذا كان التشكيك بوجود الشخصيات التاريخية بهذه السهولة فإن هذا يضع التاريخ برمته في خانة العبثي و المتخيل , إن مجرد إفتراض من هذا النوع - فيما يخص شخصية محمد يفتح المجال واسعا ً لإنكار كل الشخصيات التي تفاعلت معها سلبا ً أو إيجايا ًبل يحتم إنكارها أيضا ً وهي تعد بالآلاف بمعنى أن كل من صدقه و كل من ناصبه العداء هم أيضا ً في حكم المتخيل ناهيك عن المترتبات الحسية و التي لا مجال لضحدها من مثل خروج اليهود من يثرب و من خيبر و سقوط الإمبرطورية الفارسية و إنكفاء سلطة القسطنطينية عن كل من بلاد الشام و مصر و آلاف الأحداث و الشخصيات التي أثرت و تأثرت بظهور هذه الدعوة سيكون لزاما ً علينا إعتبارها بحكم الملغاة .
-
مونتريال - صلاح محسن
5 كانون الأول (ديسمبر) 14:09
أولا : تحياتي للأستاذ نادر ثانيا : اذ توقفت ، واكتفيت عند ، ما جاء بالمقال " أنّ البابا اوربان الثاني دشّن أولى الحروب الصليبية دون أن يعلم شيئا عن الإسلام (2)
وتعجبت . كيف لا يعرف بابا روما شيئا عن الاسلام؟؟؟ ان أبي العلاء المعري يعفينا من الرد . بما قاله منذ قرابة 1000 ألف عام : (( وهل أبيحت نساء الروم عن عرض .. الا بأحكام النبوات ؟ )) فتري : هل كان أبو العلاء المعري يعرف ما فعله الاسلام بنساء الروم ، ويستنكره في شعره ، ولا يعرفه بابا روما الذي دشن أولي الحروب الصليبية !!!! ؟؟؟؟ هذا هو السؤال مع المودة والتقدير
-
- - نادر قريط
5 كانون الأول (ديسمبر) 14:56الأستاذ الكاتب صلاح محسن: شكرا على تذكيرنا بالمعري،وأنت سيد العارفين فالروم هم بيزنطا التي تبدأ من تخوم الشام . أما البابا أوربان الثاني الذي شن حروب الفرنجة .. فكان يقود الفرنجة وليس الروم، وأقصد أقواما كانت تعيش آنذاك في عصر مظلم.. ولو قرأت جيدا نص خطبته في الهامش لعرفت ما أقصد مع التقدير
- - نادر قريط
5 كانون الأول (ديسمبر) 14:23
الاساتذة والإخوة الأفاضل أحمد خيري ونارت إسماعيل وحماد عجيب أود التنويه إلى أن هذا النص هو قراءة إنطباعية وترجمة لبعض الأفكار المتداولة في حقل الإسلامولوجيا، وقد أرسلته كمقالة متواضعة. أما إعتباره "بحثا" فهو تكريم من الأفاضل في أسرة تحرير الأوان. ملحض الأمر أن يانسن يشكك بتاريخية محمد ولا ينفيها بالمطلق ويعتبر قصة ابن اسحق أدب ديني، تماما كالأناجيل .. وشخصيا أضفت أنها لا تزيد من معارفنا لكنها تثير السؤال مجددا وأحيانا بلغة أدبية ساخرة، فعندما يقول الكاتب : إذا كان الله قادرا على كل شيئ (كما تزعمون) فبإمكانه أن يوحي إلى كتبة السير أن يكتبوا ما كتبوه دون الحاجة لرسول .. أي أنه يطرح السؤال القديم الذي طرحه الرازي في مخاريقه : بمعنى إذا أردنا معرفة الله ورسائله فما حاجتنا (لعبادة) سعاة بريده؟ لا أنفي أن الرجل يتمتع ببحبوحة من الطرافة (ربما تعلمها من المصريين أثناء دراسته في القاهرة) لكنها طريقة مألوفة يعرفها النقد الديني منذ ديليتش ناقد الكتاب المقدس.. والمهم برأيي اللغة التي يطرحها فهي تساعد على التخفيف من الغلواء والتعصب وليس بالضرورة أن تحتوي على إضافات معرفية. أما الفاضل الأخ عجيب الذي يثبت الأمور بوجود نسخ قديمة من القرآن.. فهذا إلتباس كبير إذ لا وجود ما يثبت أن محمدا كتب القرآن .. فإسمه لا يرد فيه إلا أربع مرات. ولولا التفاسيروأسباب النزول والقواميس التي فصلت فيما بعد .. لما عرفنا أية معلومات كرنولوجية ناهيك عن أن اللغة صيرورة وتعكس مناخا عقليا (وأي نص هو صيرورة ولا يخرج من العدم) شخصيا أعتقد أن لغة عقلية راقية قادرة على التجريد العقلي والتركيب اللغوي الفذ كاللغة العربية لا يمكن أن تكون إلا نتاجا إلا لحضارة عقلية راقية تتنافى مع أرض قاحلة كجزيرة العرب. وأخيرا أدعوا الأساتذة الكرام لمتابعة هذا السياق النقدي في نص آخر يتعرض للمشكلة من زواية إسلامية صرفة. وللصدفة فقد تزامن نشره مع هذا النص مع التقدير http://www.ahewar.org/debat/show.ar…
- محمّد النجّار
5 كانون الأول (ديسمبر) 16:00
تحيّة أستاذ نادر وشكرا على هذا المقال،
بوصفي أتابع تقريبا أغلب الدراسات الاستشراقيّة في هذا المجال، وكنت قد تعرّضتُ من قبل إلى وجود محمّد التاريخيّ فاسمحْ لي أن أتساءل لماذا نشكّك في وجوده؟
الجواب أجده في مقالك حيث تتساءل عن عدم ذكره في مصادر غير إسلاميّة معاصرة أو قريبة منه، ممّا يوحي بأنّه صناعة إسلاميّة متأخّرة بدأت في عهد عبد الملك بن مروان، وأقول بدأت في عهده لأنّ عبد الملك ضرب العملة وفيها اسم محمّد.
لكن يا أستاذ نادر هذا الكلام غير صحيح، فمحمّد مذكور في النصوص الأجنبيّة وأوّل ذكر له بالإسم كان سنة 634 ميلادي (أي سنتين بعد وفاته المفترضة) في نصّ لتوما المعرّف بالسريانيّة متحدّثا عن معركة غزّة ذاكرا المسلمين بـ "طيئيّي محمّد" أي عرب محمّد.، ويُذكر مرّة ثانية في تاريخ خوزستان سنة 660 ميلادي بالسريانيّة وكذلك في تاريخ سبيوس بالأرمينيّة سنة 660 ميلادي ويصفه بأنّه تاجر، ثمّ تتواصل النصوص متفرّقة عبر الزمن، وهي نادرة فعلا لكنّها موجودة.
وكنت قد ترجمت، في موقع آخر، تلخيصا للنصوص الأجنبيّة قام به هويلوند، لفهم الإسلام المبكّر بعيون أجنبيّة، أعيد نشره هنا: اقتباس:
كتاب القرن الأول الهجري من غير المسلمين يصرون على أن الحركة كانت توحيدية بشكل قاطع : sebeos سنة 660 ميلادي و john bar penkaye سنة 687 ميلادي و anastasius of sinai سنة 700 ميلادي
و تنهى عن الصور و الرموز: germanus سنة 715 ميلادي
و لهم مكان مقدس يسمّونه بيت الله:john bar penkaye سنة 687 ميلادي
و يربطونه بإبراهيم:chronicler of khuzistan سنة 660 ميلادي و jacob of edessa سنة 708 ميلادي
و يسمّونه الكعبة: jacob of edessa سنة 708 ميلادي
و كانوا يقيمون صلواتهم تجاهه: jacob of edessa سنة 708 ميلادي
و يقدّمون عنده القرابين [ الأضاحي]: anastasius of sinai سنة 700 ميلادي
و يقدّسون الحجر: anastasius of sinai سنة 700 ميلادي و germanus سنة 715 ميلادي
و آمنوا بشخص اسمه محمّد:Thomas the presbyter سنة 640 ميلادي و sebeos سنة 660 ميلادي و chronicler of khuzistan سنة 660 ميلادي
و كان قائدهم و قدوتهم و معلمهم:john bar penkaye سنة 687 ميلادي
و حافظوا على تعاليمه و تقاليده و قوانينه بقوّة: john bar penkaye سنة 687 ميلادي
و هو الذي حرم عليهم الميتة و الخمر و الخطية و الفاحشة : sebeos سنة 660 ميلادي
و قدّسوا القدس/أورشليم بشكل ملحوظ: john moschus سنة 619-634 ميلادي و arculf سنة 670 ميلادي و maronite chronicler سنة 660 ميلادي و anastasius of sinai سنة 700 ميلادي
و كانوا معادين للصليب: sophronius سنة 639 ميلادي و isaac of rakoti سنة 690 ميلادي و anastasius of sinai سنة 700 ميلادي
و أنكروا أن يكون المسيح ابن الله:isaac of rakoti سنة 690 ميلادي و hnanisho سنة 700 ميلادي و anastasius of sinai سنة 700 ميلادي و jacob of edessa سنة 708 ميلادي
و أقاموا تعبداتهم في أماكن مخصصة تحمل الأسم "مسجد": john moschus سنة 619-634 ميلادي و anastasius of sinai سنة 700 ميلادي.
انتهى الاقتباس.
هذا بالنسبة إلى التاريخ المكتوب، أمّا العملة وهي أصحّ منه بطبيعة الحال فيذهب الجميع إلى أنّ أوّل ذكر لمحمّد فيها كان في عهد عبد الملك بن مروان، وهذا كلام غير صحيح أيضا حيث نشر Henri Lavoix في مجلّة العملة الإسلاميّة عملة ضربها عليّ بن أبي طالب سنة 40 هجري ونصّها:
بسم الله ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة أربعين لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له محمّد رسول الله أرسله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدين كلّه [و] لو [كره] المشركون الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد
وهي عملة أصليّة لا إشكال فيها، ورغم أنّه مختصّ في العملة فقد قام، ودفعا للشكّ، بعرضها على مختصّين آخرين من أصدقائه، فيقول: " عرضت هذه العملة بدوري على خبراء ممتازين Roger و M.de longperier و M.sauvaire و M.waddington وكلّهم أقرّوها ولم يعارضوا أصالتها.
هذا في الشرق أمّا في الغرب، في إسبانيا، فليس صحيحا أنّ محمّدا مذكور منذ القرن العاشر في أغنية رولاند بل هو مذكور منذ سنة 741 ميلادي في تاريخ Mozarabe ويشير إلى أنّ محمّدا من عائلة نبيلة وأنّه المثال الأعلى لأتباعه.
أعتقد أنّ التشكيك في وجود محمّد التاريخيّ يدخل في باب النقد المتطرّف، وكثير من المستشرقين الجادين، حسب اطّلاعي، تركوه من زمن، رغم أنّي أعتبر دائما أنّ أكثر شخص قادر على قراءة التاريخ الإسلامي هو الباحث العربي إذا كان مطّلعا على جميع المدارس بجميع توجّهاتها.
وصحيح أنّ الخطوط العريضة للسيرة كان قد أسّسها محمّد بن إسحاق، لكن هذا لا يعني أنّها مختلقة بل يمكننا استخلاص بعض الحقائق التاريخيّة منها رغم كثرة الأساطير التي تضمّنتها، وبوصفي أعمل في قسم المخطوطات العربيّة بباريس أشير للفائدة أنّ أقدم مخطوط عن السيرة، وصلنا، يعود إلى وهب بن المنبّة كتبه حفيده نقلا عنه ويتكوّن من حوالي 20 صفحة كان قد نشرها روجي خوري في السبعينيّات وتذكر هجرة النبيّ ومعركة عليّ بن أبي طالب مع قبيلة عربيّة.
تحيّاتي لك وعذرا على الإطالة.
-
- - نادر قريط
5 كانون الأول (ديسمبر) 19:02الأستاذ محمد النجار: أشكرك مرتين لأني تابعت بشوق دراستك الثلاثية التي نشرتها قبل مدة، ومرة ثانية لمداخلتك القيّمة، كوني أحد المحمومين بهذا الموضوع.. وبالحقيقة إشاركك الإستهجان (جزئيا) لعدم ذكر الكاتب لهذه المصادر التي يعرفها بالتأكيد .. وقبل ذلك أكرر موقفه الذي يشكك بالتاريخية ضمن رؤيته لسياق السيرة وبنائها الروائي القصصي الأسطوري. وهذا لا يعني قطعا عدم وجود محمد .. واسمح لي أن أكون محامي الشيطان وأسرد لك بإختصار رؤية النقد الراديكالي، وهي تشذّ عن الإستشراق والتاريخ التقليدي: أولا : هناك قناعة بغياب مفاجئ للتراث الكتابي بين القرن السابع والعاشر ، والموجود هو نسخ عن نسخ متأخرة، وتحتوي على ركام من المزوّرات التي تم ضخها في في القرون الوسطى العليا حوالي القرن12و 14 بما فيها إختلاق بعض نصوص الأنتيكا ثانيا: هذه المصادر التي ذكرتها على إفتراض صحتها وموثوقيتها لا تقول الكثير ولا تروي سيرة محمد، وأحاديثه كما عرفناها عند غبن هشام والبخاري، لكن بعض النقاد باتوا يتجنبون هذه المصادر، لأسباب جوهرية .. فعندما نقول تاريخ سيبيوس بالأرمنية 660 م .. علينا أن نشك بذلك لعدم وجود تقويم ميلادي آنذاك (بُدء بتداوله في القرن 9 و10 واعتمده الفاتيكان رسميا في مؤتمر بازل الكنسي عام 1432/(أرجو أن لا أكون مخطئا) وهناك دلالات قوية على أنه توليف إعتمد أساسا التقويم الهجري وتفسير رؤيا يوحيا الذي رمز لقدوم الوحش ب 666 فإعتمدها العدادون بإعتبارها سنة الهجرة حسب التقويم اليولياني وتساوي 666 ناقص 44 تساوي 622م) إن إعتبارالرقم 1 هجري مساوي 622م ..لا يخلو من المخاطرة والإعتباط) أي أننا أمام حلقة تأويلية مغلقة ليس بإمكاننا كسرها ثالثا:في الحقيقة موضوع المسكوكات طويل، فحتى ذكر محمد على مسكوك لعبد الملك بن مروان لا يعني الكثير ولا يفسر السيرة وأحداثها، وأسم (محمد بن عبدالله) بحد ذاته إشارة للقب تفخيمي، أكثر منه إسما حقيقيا .. وأول المسكوكات حسب معرفتي المتواضعة أرخت لمعاوية والزبير في مسكوكين لعام 41 ضربا في داربجيرد بالبهلوية وآخريات للزبير وعبدالملك بين عام 53 إلى 63 و66 75في دور للضرب في إصطخرو كرمان وأردشير خورا وداربجيرد وزرنج.. وبإختصار يمكن من تسلسل المسكوكات ودور الضرب إستبعاد وجود إمكانية موضوعية لضرب العملة في البصرة بعهد عليّ (هذا رأي شخصي ، وهذه المرة الآولى التي إسمع بها بمسكوك عن علي ابن أبي طالب) فالبصرة لم تكن حينها إلا معسكرا للجند .. وكل المسكوكات التي ضربت مبكرا كانت على الطريق المعروفة بين جمشيد (دارابجيرد) وصولا لزرنج في مرو.. لكن كل ذلك لا يقول شيئا عن سيرة محمد .. سوى أنه رمز لسلالة ناهضة ورثت ممتلكات بيزنطه وفارس. .. أعرف أن الموضوع طويل ومتشعب وعويص ، وأعرف أني أدافع عن النقد المتطرف ..فأرجو المسامحة ولك بالغ التقدير والإحترام وشكرا على المعلومات القيمة
السعودية - الخبر - ناصر محمد
5 كانون الأول (ديسمبر) 16:24
[لكن الاستشراق يظلّ محاولة اقتحامية هدفها إخضاع صورة العالم لنظام رؤيته] لا حاجة أن يعمل المتفوق على فرض رؤيته قسرا - كما تشي الكلمة "اقتحامية" - ذلك أن الأمور تأخذ مجراها ضمن نواميس تكرس سيادة رؤيته من دون جهد "مؤامراتي" يتعمّده ثم لا يبقى سوى مغالبات التشكك الكلامية. يتضح ذلك فيما تفضلت به [تجلت ذروتها في ثوب تتويج الإمبراطور فريدريك الثاني عام 1220م، الذي طرزته الحروف العربية] وللحدث دلالته، إذ لم يتعمد العرب آنذاك إخضاع العالم لرؤيتهم الثقافية. تحية.
libanon - سردار أحمد
5 كانون الأول (ديسمبر) 17:48
هكذا دراسات مهمة جدا لفهم العالم بشكل أفضل، لكن المشكلة أن أبسط المعلومة كانت محجوبة عنا حتى الأمس القريب، وكانت الكتب العربية ممنوعة، وكما قالوا السقف المعرفي كان آية الفاتحة، ولا زالت الأغلبية تحت ذلك السقف، فما بالك بالكتب الأجنبية وما كتب فيها مع وجود عوامل مصعبة كاللغة والتاريخ والثقافة. تحياتي استاذ نادر
-
عمان - شامل عبد العزيز
5 كانون الأول (ديسمبر) 19:31الأستاذ الكبير نادر قريط - تحية وتقدير - هذا النوع من الكتابات لابدّ أن يخلق معرفة ولو بعد حين . إذا لم ترتقي كتابات الغالبية إلى هذا النوع من المعرفة فبرأيي المتواضع فإن الجهود سوف تذهب سدى - أهم نقطة في الموضوع هو اعتبار المرويات التاريخية أدب ديني كما فعل الغرب . إذا ارتقينا إلى أن المرويات هي أدب ديني وليس حقائق تاريخية مؤكدة فإننا سوف نقطع شوطاً كبيراً في معرفتنا . خالص تقديري
-
- محمد رحال
5 كانون الأول (ديسمبر) 20:28قبل كل تعليق، لابد من شكر الكاتب،الأستاذ نادر قريط على المجهود البالغ الذي بذله، في تلخيصه ألتوضيحي لهذا الكتاب ، من أجل إطلاعنا على ما يجد من آراء و أفكار في الغرب حول تراثنا الحضاري .فبمثل هذا العمل يمكن أن يتم التلاقح الثقافي الذي يمكننا من مواكبة التطور الفكري عند الآخر، و كذلك استيعاب منهجيته المادية الصرفة في الحجاج و البرهنة، كي نتلافى هدر الوقت و المجهود و ربما الأموال، عبثا من أجل إقناعه بخطاب إيماني روحاني غريب عنه كل الغرابة . فالباحث الغربي الذي لم يجرب قوة الإيمان الصادق بالعقيدة، لا شك أنه سيستغرب مستهزءا إذا أكدت له أن هؤلاء المسلمون الأوائل ،الذين دونوا سيرة الرسول و سنته، إنما تكلفوا ذلك المجهود الجبار كله و هم من وراء ذلك كله، لا يطمعون في شيء آخر، غير مغفرة من الله و رضوان في الدار الآخرة . و أنهم كانوا ، قبل أن يكتبوا حرفا واحدا، يتحرون خالص الصدق و بالغ الحذر، عملا بقوله تعالى :[ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ./البقرة:79] و كذلك عملا بقول الرسول ( ص ): [( بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج ، و من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ):رواه البخاري] . و قوله ( ص ):(من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) متفق عليه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. هذا ومن جهة أخرى، ماذا يقال ، في نفس السياق، عن الكعبة التي بناها أبو الأنبياء إبراهيم علييه السلام، و عن قبور الصحابة الشهداء التي ما تزال موجودة في مختلف بقاع العالم الإسلامي منذ غزوة بدر إلى فتح فارس و الشام ومصر بلاد المغرب، و كذلك غيرها من الآثار النبوية الشريفة المحفوظة . و هذا زيادة على الأثر. الخالد المتجلي في القرآن الكريم الذي من خلال تشريعاته و أخلاقياته و بلاغة بيانه، يستحيل أن يكون من تأليف بشر ؟؟؟..
Ruston, Louisiana - أحمد نظير الأتاسي
5 كانون الأول (ديسمبر) 21:20
تحية للجميع وأشكر الأستاذ نادر قريط على تعريفنا بالكتابات بالألمانية.الحقيقة أن الكلام عن تاريخية محمد وحقبته صعب للغاية في ضوء المعلومات القليلة التي لدينا. إن ابن إسحاق لم يكن الوحيد الذي كتب عن السيرة في القرن الثاني لكن الغريب أنه الوحيد الباقي من تلك الفترة. وقد كتب ابن إسحاق كتابه بدعم من العباسيين حسب المصادر الإسلامية نفسها. والعجيب أن أحداً لم يعارض أو يصحح أو يوافق، خاصة من أحفاد النخب الإسلامية الأولى أي الصحابة والفاتحين باعتبار أن ابن إسحاق كان مولى وأنه كتب باسم أهل المدينة حاضرة الإسلام الأولى. ثم جاء الواقدي بعده فعارضه في بعض الأسماء وأضاف تفاصيل كثيرة أخرى غير معروفة فكيف يأتي اللاحق بتفاصيل لم يعرفها السابق. لكن هذا النمو العكسي للتراث الديني (أي أنه يتضخم بتقادم الزمن) معروف لدى الديانات الأخرى. أما سيرة ابن إسحاق فهي محاولة أولى لتوحيد عدد كبير من القصص المرتبطة بمحمد وربطها ببعضها في قصة واحدة لكن القصة تبقى متفككة. وقد أشار عديدون إلى ارتباطها بتفسير القرآن أي أن أجزاءاً كبيرة من السيرة قد تكون بنيت من أجل تفسير آيات معينة من القرآن. وإذا كان المحدثون والمؤرخون في القرن الثالث قد ابتعدوا عن القصصاص وانتقدوا خيالهم الجامح إلا أن أغلب رواة السيرة في القرنين الأولين هم من القصاص الذين دخلوا في عداد الآباء المؤسسين فأصبحوا بمنأى عن النقد والمراجعة خاصة وأن المسلمين في عصر الإنتقال من الحكم الأموي إلى العباسي كانوا بحاجة ماسة لإنشاء تاريخ لجماعتهم أي كانوا على استعداد لقبول الروايات الموافقة لتصورات الجماعات المتناحرة. وآسف للقول أن حل النقاش لن يكون إلى بحفريات أثرية في مكة والمدنية. من الغريب حقاً قدرة البشر على جمع معلومات متناقضة بعضها صحيح وبعضها خاطئ وكلها موضوعة في خدمة الصراعات الأيديولوجية. أنا نتأكد أن التراث المكتوب فيه بعض المعلومات الصحيحة لكن أين هي؟ وكيف نعرفها؟ وهل كان المؤرخون اللاحقون يستطيعون التمييز بين الغث والثمين؟ يبدو لي أنهم كانوا في الظلام كما نحن الآن لكنهم كانوا أكثر استعداداً للتصديق منا. أما بالنسبة للمخطوطات وكتب التراث غير العربية فإني أشاطر الأستاذ نادر شكوكه في تأريخها. وفي المؤتمر الأخير الذي حضرته زعم بعض الباحثين أن المصادر السريانية القديمة ليست إلا استعارة من مصادر إسلامية معاصرة لكنها مفقودة، وهذا معروف أيضاً عن مصادر سريانية عباسية. الحديث يطول وقد سررت لرؤيتي في ذلك المؤتمر أن المهتمين ببدايات الإسلام قد تحولوا إما لدراسة الأمويين أو لدراسة التراث من وجهة نظر النقد الأدبي وعلم السرد Narratology
- أمير الغندور
6 كانون الأول (ديسمبر) 10:30
some philosophical problems are merely linguistic problems that philosophy should dissolve them rather than solve them - from Rorty on Wittgenstein
-
- محمد رحال
7 كانون الأول (ديسمبر) 02:46نعم ، فقولة فيلسوف البراغماتية الجديدة، رورتي ريشار ( Rorty, Richard ) : (“ بعض المشاكل الفلسفية ما هي إلا مجرد مشاكل لغوية كان أولى بالفلسفة إيجاد حل لها قبل الاهتمام بإيجاد الحلول الفلسفية.”) ، هي بلا ريب حكمة في صميم الموضوع. فكل حوار أو نقاش يتوخى منه الخروج بفائدة ، لا بد و أن يجعل منها شعارا ملزما . إن تحديد المفاهيم تحديدا دقيقا هو مشكلتنا في التواصل الصحيح بدءا بالمصطلح اللغوي إلى المفهوم الفكري. لقد أندثر هذا الأسلوب العلمي، و لم يعد له أثر يذكر في كتابات كثير من المثقفين العرب .و يبدو أنه قد مضى لغير رجعة ذلك الزمان الذي كانت فيه الجامعات العربية تهتم بشعبة الفلسفة و علم الاجتماع التي بدورها كان يشرف عليها نخبة من خيرة الأساتذة . و لكن حمدا لله على بادرة نبيلة جعلت منبرا مثل الأوان جامعة مفتوحة همها الاحتفاء بالعقل و إذكاء شعلته. و كم كان بودي لو لم يكتف الأستاذ الغندور بصرد تلك المقولة كما هي ، حرفية و بدون و لو شيء من مرق لا يخلو من بعض الدسم . فكأني به قد انصاع مستسلما لغوغاء القمع و الإلغاء.
- - نادر قريط
6 كانون الأول (ديسمبر) 14:08
أشكر السادة الذين تفاعلوا مع هذا النص، آملا أن تتاح فرصة قادمة لكتابة المزيد حول هذه التساؤلات، ولا شك بأن أطروحة الأخ أحمد خيري مهمة .. سيان كانت تلك الشخصيات فنحن نعيش على موروثها الثقافي واللغوي، وهذا أمر مهم.. لكن الإنسان فضولي وحيوان معرفي، وهذا ما دفعه لبناء مركز أبحاث "سيرن" ليعثر على إجابة عن بدايات الكون، فما بالك بتاريخ يمس حياتنا ويحرق جلدنا، ويمنحنا هوية كأفراد ومجتمعات. أشكر السادة والإخوة جميعا وأثمن مشاركة الأساتذة سردار أحمد وشامل عبدالعزيز وناصر محمد ونارت سماعيل وأمير غندور ومن سهوت عنهم.. كما أشكر الأخ رحال خصوصا (وأعني بالأخ قولا وفعلا) لأننا بالنتيجة ومهما إختلفت الرؤى، أبناء لغة ووطن وعلينا أن نعيش سوية برغم تعارض أفكارنا .. ولعل المثل الشامي كان سباقا عندما قال: "كل مين على دينو الله يعينو" وهو ترجمة فعلية لروح التسامح. وختاما : عندما قرأت تعقيب الأستاذ الآتاسي، قلت في نفسي : إذا حضر الماء بطل التيمم. وإذا حضر أستاذ التاريخ فعلينا أن ننتبه لقدومه، وللصدفة لاحظت جملة أوردها أ الأتاسي تتطابق مع يانسن حتى في نسق كلماتها: " أنا متأكد أن التراث المكتوب فيه بعض المعلومات الصحيحة لكن أين هي؟ وكيف نعرفها؟" بالفعل سؤال صعب ، ولا طريق إلا بتحليل النص في مختبرات النقد التاريخي والأدبي ..إلخ لكن الصعوبة أننا جميعا ضحايا دوائر تأولية مغلقة. تبدأ بأصالة ومصداقية الوثائق والتزوير ولا تنتهي عند مشاكل التزمين والتقاويم وتأويل الأركيولوجيا ، وضغوط الدوغمائية والسلطة.. إلخ مما يجعلنا أحيانا ندور حول الساقية..في مؤتمر الميديافسيت (مؤرخو القرون الوسطى ) قبل ثلاثة عقود تقريبا أثبت وجود آلاف المزوّرات في التاريخ الأوروبي..أهمها "هبة قسطنطين" وهي المنحة التي قام بموجبها الفاتيكان .. وقد جمعت المزوّرات في مجلدين كبيرين.. أتمنى أن نصل يوما إلى فتح أول دفتر صغير لكشف مزوراتنا. ودمتم
- سلمان مصالحة
6 كانون الأول (ديسمبر) 16:56
تحية للأستاذ نادر قريط ولسائر المتحاورين. بانعدام حفريّات أثريّة تكشف النقاب عن تعزيز ملموس لدعم روايات تاريخيّة شائعة، لا يمكن التعامُل مع ما يُسمّى التاريخ العربي القديم، الجاهلي والإسلامي من بعده، إلاّ بوصفه مؤلّفات أدبيّة من عمل بشر ذوي أهواء وميول. لهذا السّبب فإنّ هذا التاريخ المدوّن هو بمثابة "راشومون" يعجّ بالأهواء والميول الأيديولوجيّة السياسية والاجتماعية والاقتصادية القبليّة والإثنيّة. وكما ورد في المأثور، فكلّ يغنّي على ليلاه. لقد أضحى هذا الأدب الأسطوري جزءًا من المخيّلة العربيّة، لدى العوام والخواص. من هذا المنطلق فإنّ التّعامُل معه يجب أن ينحصر في هذه الخانة الأدبيّة ليس إلاّ. يمكن القول تلخيصًا إنّ العرب في التاريخ هم ظاهرة أدبيّة تحتمل التفسير على أكثر من وجه. وتحياتي للجميع.
- أمير الغندور
7 كانون الأول (ديسمبر) 18:22
شكرا أ نادر على عرضك للكتاب. وشكرا أ رحال لتحريضي على النقاش رغم أني كنت بالفعل كما لاحظت أنت أفكر في الاقتصار على كلمات قصيرة أظنها تلخص ما أراه. لا أكثر حتى لا أزاحم في الحوار كما يظن بعض الأخوة.
وأظن أن أغلب المحاورين قد قالوا ما يريدون، بحيث أتمنى أن تدخلي لن ينظر إليه على أنه مانع أو حجر على أي رأي.
كنت متشوقا بالفعل للإطلاع على رؤية نادر قريط حول الموضوع.
وكنت أظنه يعمل في إطار الخط المنهجي الهيرمينوطيقي الألماني الواصل من شلايرماخر إلى جادامير.
وهو الخط الذي أثمنه عاليا جدا، لكني أظنه ما زال غريبا أو مستعجما عن ثقافتنا العربية، بشكل يثير الدهشة، ويدلل على وجود "مشكلة" ما لدينا.
ذلك أن هذا الخط المنهجي هو تحديدا الخط الذي كتب له البقاء والانتشار في الدوائر العلمية والفكرية في الغرب، وبشكل ملحوظ.
لذا أستغربت أن وجدت أ نادر قريط يقدم لنا خطا ربما أصبح منقرضا وزائلا في علوم التراث بالغرب نتيجة لغياب أي أبعاد فلسفية حقيقية متميزة به. وأقصد الخط الذي ما زال ينسج في الفيلولوجيا ويبحث عن المخطوطات.
فهذا خط أعتبره وفق متابعتي المتواضعة لمسارات البحث الغربي، أعتبره خطا قد انقرض وزال.
وأرجو أن يعذرني أ نادر قريط على حكمي هذا. لكني لا أظنه حكما متعسفا بل هو ناجم عن متابعتي لما يحدث في الفكر والبحث الغربي منذ الثمانينيات وإلى الآن، أي ربما منذ أن نشر رورتي كتابه الفلسفة ومرآة الطبيعية عام 1979.
ولن أذهب بعيدا للتدليل على صحة ما أقول. بل دليلي الحاسم هو قدر الخلاف الواضح بين ما قدمه نادر قريط وتعليق محمد النجار الهام أعلاه.
ذلك أن الاثنين يعملان داخل ذات المنهج الفيلولوجي القائم على تحقيق المخطوطات وتدقيق الروايات والذي أظنه أساسا محض ابتكار إسلامي في مسألة الجرح والتعديل لا أكثر. لكن يدعمه منهج الأركيولوجيا.
وقد سبق لي أن قدمت بعض أفكار التيار الناقد للأركيولوجيا بصفتها تعبر عن تشيوء reification التاريخ. وهي أفكار موجودة ومطروحة في الغرب، بل قدمها لنا أركون وهاشم صالح بجلاء ودون لبس منذ سنوات. بحيث أني أستغرب أننا لم نهضمها بعد لنتجاوز مشكلات المناهج الحالية في البحث التاريخي.
لقد سبق أن وصفت المؤرخين الساعين إلى "الإمساك" بالتاريخ كما لو كان شيئا موجودا في الخارج ينتظر منه أن يمدوا أيديهم للإمساك به، بأنهم مخطئون في رؤيتهم الأساسية للتاريخ.
فالتاريخ ليس شيئا ماديا مستقلا موجودا في الخارج إلى الوراء لنحاول اصطياده. فهذا يعبر عن نظرة "ثنائية" تفصل بين الفكر والواقع (الذي يمثل التاريخ جزءا منه).
بمقتضى هذه النظرة تنهار الرؤية التاريخية من أساسها لدى الباحث ويصبح عاجزا من الأساس عن فهم التاريخ وعن فهم موقعه الحقيقي فيه، بل في الواقع نفسه.
ولهذا لا استغرب تفشي هذه النظرة الخاطئة تماما والتي تجاوزها العلم الغربي مؤخرا عندنا نحن العرب. لكني أتمنى أن نحاول تجاوزها.
ما أقوله واضح من عنونه المقال نفسه: البحث عن محمد. التي يتفشى فيها الاهتمام الفيتشي المتشيء للعملية البحثية الفيلولوجية.
فالكاتب يحاول "الإمساك" بشئ أو شخص وهو يتعجب من عجزه عن ذلك مع ما يظن أنه يمتلكه من معلومات أركيولوجية ومعرفة فيلولوجية.
وكذلك يتابعه في التعجب قريط وأتاسي وأغلب من يتبنون المنهج الذي نقده هيدجر بوضوح في كتاباته عن الوجود الذي يتم اختزاله في الفكرة عن الموجود، والتي هي في حقيقتها مجرد نسيان للوجود وتشيوء لا أكثر.
وكنت أود الاستفاضة في هذه المسائل بشكل أكبر. لكني أصبحت أرى شيء من العبث فيما أفعل.
لأنه لا يثير سوى القليل من التفكير، بل يتم قياسه بعدد البوصات التي يستهلكها من الحوار، لا بعدد الأفكار التي يثيرها ما ينم على أنه لا يثير حتى ولو قلق.
أريد أن أسأل: ألا يخطر ببالكم أنه ربما هناك "سبب ما" لفشل الفيلولوجيا وتضاربها عند محاولتها "البحث والإمساك" بمحمد أو بعيسى أو بموسى أو حتى ببوذا.
فجميع هؤلاء لا تكاد تصادف عنهم أي معرفة فيلولوجية حاسمة.
ألم يخطر ببالكم أن ربما - فقط ربما - يدل هذا على "فشل" الفيلولوجيا الذريع سواء لدى جانس هنا أو نولدكه عند حمود أو حتي هويلاند لدى النجار.
كان بودي أن أندهش من الإصرار على تبني المناهج البحثية المنقرضة والفاشلة.
لولاي أني أتذكر ما يقوله توماس كون عن جماعات العلماء، الذي تعودوا على طريقة معينة في البحث، تصبح بمرور الزمن عصية على التغيير وعلى النقد والتجاوز. لدرجة أنها تصبح عائقا أمام العلم والفهم.
فالأغلبية ما زالت مصرة على أن هذا الفشل لمناهج البحث المنقرضة تلك (الفيلولوجيا)، إنما يدل على فشل "موضوع البحث" وليست دليلا على فشل "طريقة البحث"
وكأني بهم يشبهون العلماء الذين يصفهم توماس كون، حين يصرون على التمسك بطريقة ومنهج التفكير الأقليدسي، رغم أن الزمن قد تجاوزهم إلى نيوتن.
إنهم يبحثون في المناطق التي يعرفونها فقط. كمثل الباحث عن مفقوداته في المناطق المضيئة، بينما وقعت عملية الفقد في المناطق المظلمة.
كل ما أرجوه هو تجاوز المناهج التي يثبت فشلها. وممارسة البحث بطرق جديدة وكلمة السر: جادامير.
-
- - نادر قريط
7 كانون الأول (ديسمبر) 20:28>>>أولا: أرحب بالأستاذ سلمان مصالحة. ومن المحزن أننا أبناء وطن واحد قطعت أوصاله الأيام ( بين بلدتينا مسافة خرافية وجيوش، مع أنها لا تزيد على 50 كم) تحياتي لك دكتور مصالحة.. >>> ثانيا: فوجئت بكلمة وردت في تعقيب الأخ محمد رحال "كم كان بودي لو لم يكتف الأستاذ الغندور بسرد تلك المقولة كما هي ، حرفية و بدون و لو شيء من مرق لا يخلو من بعض الدسم . فكأني به قد انصاع مستسلما لغوغاء القمع و الإلغاء" ؟؟!! أ محمد رحال يصف من إنتقد وعارض غندور بالغوغاء؟! وهذه كلمة إحتقارية غير مناسبة، وأستغرب أن أ غندور تركها تمر مرور الكرام وكأن به يصادق عليها.. >>> بالحقيقة قرأت مقولة رورتي، وبغض النظر عن مراميها وإعتراضات أ غندور على الفللوجية المنقرضة، وطرق البحث في الماضي وتأويله. أجد أن الأمر لا يخلو من المبالغة والتهويل..إن يانسن ينتمي أيضا لعصر ما بعد الحداثة وما بعد هايدغر، ولم يأت من الأدغال والكهوف. وهو يناقش مادة التاريخ والسرد والبناء الأسطوري فيه، ومحور عمله يتطلب السؤال عن المخطوطات والأركيولوجيا، والعالم مليئ بالإختصاصات، وقد لا تعنيه كثيرا إشكاليات الفلسفة، فلكل مقام مقال..ولا أظن أن أ غتدور سيوظف مقولات الفلسفة للدفاع عما رواه البخاري، وأبي هريرة. فهو بالتأكيد أكثر حذاقة .. الأمر بسيط جدا يا أ غندور وبدون أية تعقيدات: إن أمثال يانسن لا يؤمنون بالوحي ولا بالرسالات، ويجدون أن رواية ابن إسحق مملحة أكثر من اللازم (في بلدي يقولون: الكذب ملح الرجال) ، والأهم من ذلك فالرجل وجه كتابه لقارئ هولندي وألماني .. ولا أدري ما المشكلة في ذلك .مع بالغ التحية
-
باريس - محمّد النجّار
7 كانون الأول (ديسمبر) 22:05أوّل مرّة أسمع بأنّ الفيلولوجيا والأركيولوجيا صارا من المناهج المنقرضة، ولا أدري يا أستاذ أمير كيف تنظر إلى الأشياء! فهذان منهجان علميّان يقومان على الدليل، وأكرّر: الدليل، وهو أصحّ المناهج فلا ترقى إليه التخريجات الفلسفيّة بجميع مذاهبها في قراءة التاريخ، لأنّنا نقدّم دليلا ماديّا محسوسا لا أفكارا تأويليّة قائمة على نظريّات ذاتيّة.
بصراحة لا أفهم كيف تؤخّر الدليل العلميّ وتعتبره منهجا منقرضا، وتكتفي بالقراءة الفلسفيّة التي لا تغني عن الدليل العلميّ شيئا.
وربّما ما دفعك إلى هذا الأمر هو ظنّك أنّ علمي الفيلولوجيا والأركيولوجيا لا يقدّمان حقائق تاريخيّة بقدر ما يقدّمان تأويلا لها، وكنتَ قد ضربت لنا مثلا من قبل وهو التالي:
اقتباس من أمير الغندور: ولأذكر نموذج بسيط للتدليل على ما أقصد. أقول: أنه لو جاء باحث بعد ألف سنة، ومارس الحفر الأركيولوجي في مباني أقسام الشرطة في الدول العربية، ووجد مكتوبا عليها نص: "الشرطة في خدمة الشعب"، ووجدناه يستنتج من وجود هذا النص أن الحقيقة الأركيولوجية تؤكد أن الشرطة العربية كانت فعلا في خدمة الشعب، فإننا نعلم أن مثل هذا الباحث بالتأكيد لا يفهم شيئا عن مصادر البحث في التاريخ، مهما صرخ وقال أنه يستند إلى مصدر أركيولوجي. انتهى الاقتباس.
اسمح لي أن أقول يا أستاذي الغندور أنّه يوجد خلط في فهم المنهج الأركيولوجيّ، فليس الأمر بهذه البساطة، كما أنّه فعلا "الشرطة في خدمة الشعب" ولا يمكننا أن ننكر هذا، والاستثناءات وإن كثرت فهي تظلّ استثناءً، والأركيولوجيّ يعرف هذه الأمور في قراءة التاريخ مستأنسا بالفلولوجيا، والعكس بالعكس، ولا يأخذ المعلومات هكذا دون تحقيقها ودرسها.
أستاذ أمير هذه مناهج علميّة حديثة تقوم على التجربة والملاحظة والدليل المادي المحسوس وهي من أرقى أنواع البحث في التاريخ.
وختاما أودّ أن أعبّر عن امتناني مرّة أخرى للأستاذ نادر قريط على مقاله القيّم والذي فتح لنا أبواب هذا النقاش الجميل
تحيّاتي
- أمير الغندور
7 كانون الأول (ديسمبر) 21:54
شكرا أ نادر .. بالنسبىة لأستاذ رحال .. فليس من لي أن أعقب سوى على موضوع المقال. أما ما يخرج عن ذلك فليس لي أن أدلي فيه بآراء
ولكني لا أظنه يقصد من انتقدوني .. بل أظنه يحاول فقط "تحريضي" ..
وهذه مسألة استغرب أنها تفوت عليك. فهي ضمن مسائل التأويل ..
مثلا كما تقول لصديقك .. لا تدع القدر يحبطك .. فهنا ليس من حق القدر أن يشتكي من قولك بأن القدر محبط.
هذا جزء مما أقصده عزيزي قريط بمسائل التأويل.
ذلك أن التاريخ ما هو إلا تصورنا عن التاريخ والكلمات التي نستخدمها في وصف التاريخ.
لكن ربما لا يوجد تاريخ .. أو أنه "في ذات" غير قابل للمعرفة.
لذا فما يقوله رحال أعلاه يتعرض لمئات التأويلات .. بل لرحال نفسه تأويله عن ما قاله هو نفسه ..
والعجيب أنه ليس بالضرورة أن يكون تأويله هو الأصح. كيف؟
لأن اللغة ليست ملك رحال أو ملك أي منا.
فنحن نستخدمها فقط. بل الأجدى أنها تستخدمنا.
لأننا نعجز عن توصيل أي شيء دونها.
لذا فلا يوجد تاريخ خارج اللغة التي نتكلمها عن التاريخ ولا خارج التصورات التي لدينا عن التاريخ.
بالنسبة لكون جانسن يشتغل في إطار ما بعد الحداثة .. فهذه مسألة فيها نظر
لكن انظر لطريقتك أنت في تأويل أعماله حين تقول:
"وهنا وإن بدت أطروحات هاينسن حذرة (وتعكس شعورا ضمنيا بوطأة الوجود الإسلامي في هولندا وربما خشيته من سكين طائشة؟)
أظن هنا واضح الفرق بين الحداثة وما بعد الحداثة.
ذلك أنه من الممكن تأويل أعمال جانسن هنا بأنه لا يؤيد ولا يعارض لكن ليس من منطلق "الخوف من سكين طائشة" لكن من منطلق الفهم مابعد الحداثي بأن المطلوب ليس الإمساك بفكرة محددة.
إلا أنك بددت هذا التأويل وفضلت أن تلجأ إلى تأويل بسيط أحسبه ضيع مني فرصة التفكير في جانسن وكأنه يشتغل في إطار الهيرمنيوطيقا.
الشيء الآخر أن تركيز المقال هنا جله درا حول وجود وعدم وجود وثائق ومخطوطات ومصادر.
وهذه اهتمامات فيللوجية وغير هيرمينيوطيقية بالمرة.
-
- مازن بكاري
8 كانون الأول (ديسمبر) 00:50" ذلك أن التاريخ ما هو إلا تصورنا عن التاريخ والكلمات التي نستخدمها في وصف التاريخ" .بهدّه العبارات تحلًُّ كل مشاكل أ.الغندور مع جميع مناهج البحث العلمي وجميع الديانات.فإن كان فعلا يعتقد بما يقول فالسيرة النبوية والقرآن وجوهر الدين الحق هو مجرد تصورات لنا عن السيرة والقرآن وجوهر الدين.
- أمير الغندور
7 كانون الأول (ديسمبر) 22:10
أ نادر عندما تقول: "إن يانسن ينتمي أيضا لعصر ما بعد الحداثة وما بعد هايدغر، ولم يأت من الأدغال والكهوف."
أحب أن أوضح أن هناك فرق بين "الانتماء لعصر ما" وبين قدرتنا على "فهم" هذا العصر..
فليس كل باحث أو مواطن غربي هو بالضرورة "فاهم" وواعي ومدرك لمناهج ما يعد الحداثة.
ذلك أن تركيب وآلية عمل الحضارة الغربية تقوم على "الإغتراب والاستلاب" كما وصفها هيجل وماركس .. ما يعني عدم وعي الأفراد بمجريات وكليات totality ما يحدث حولهم.
لذا ففرضية أن كل باحث غربي منتم للغرب هو بالضرورة مابعد حداثي هو فرية غير سليمة.
وعندما تقول: "إن أمثال يانسن لا يؤمنون بالوحي ولا بالرسالات"
فأظن هذا - إن صح - هو دليل حاسم على حداثية يانسن.
ذلك أن الحسم في مسائل الإيمان وعدم الإيمان هي مسألة حداثية وإن مالت غالبا إلى السلب أي عدم الإيمان.
أما ما بعد الحداثة فموقفها من الإيمان مختلف. لأنها تتبنى مبدأ اللاحسم undecidability
والنسبية والتعددية .. وواضح أن هذا يتعارض تماما مع الحسم السلبي (اللاإيمان) الذي تصفه لدى يانسن.
أما قولك: "أجد أن الأمر لا يخلو من المبالغة والتهويل"
فهو بصراحة ما يجعلني كما أشرت أظن أن ما أقوم به هو جهد عبثي. وكنت أتمنى ألا تجد في كلماتي مجرد انتقادات تثير الحفيظة.
-
- - نادر قريط
7 كانون الأول (ديسمبر) 23:29أستاذ الغندور (معذرة لسقوط أل التعريف في تعقيب سابق) : أعذرني إذا أخبرتك بأنك تأخذ الأمور إلى حيث لا يباريك أحد فيه…. ونحن هنا في حقل آخر.. ولو سمحت لي بإستخدام طريقتك (في الإجتزاء أو التفكيك) فستضيع القضية، تقول نقلا عني إن أمثال يانسن لا يؤمنون بالوحي ولا بالرسالات" وتعقب قائلا: "أما ما بعد الحداثة فموقفها من الإيمان مختلف. لأنها تتبنى مبدأ اللاحسم" والسؤال من أين لك بهذا الحكم؟ وهل الإيمان بوحي أو رسالة سمائية هو شرط الإيمان؟ ماذا عن الإنسان إهتمامه بالميتافيزقيا وأسئلة الوجود، وهل تعقد فعلا بأن ممارسة طقوس روتينية موروثة (أوالترديد الببغاوي لبعض محفوظات الدين، أو إيقاد بعض الشموع، أو الدوران حول قبر، أو التمخط في المغاسل) هو إيمان (هذه محض تقاليد وتراث شعوب) ، أولم يخطر على بالك بأن دين الفلاسفة يختلف عن الدين بالمفهوم العام للكلمة، وما أدراك أن يانسن لا تشغله أسئلة الوجود؟ شخصيا أجد أن الدوغما عدو للميتافيزيقيا رغم تلفعها بردائها. وكيف يمكن أن نقرر بأن ما بعد الحداثة قررت اللاحسم .. بين الإيمان واللا إيمان. فالكونفوشيوسي لا يؤمن بآلهة (سواء كانت مفردة أو جمعا) فأين نضعه مع الإيمان أو اللا إيمان؟ (أيضا فكرتك المابعد حدائية محكومة باورومركزية متأسلمة) يا سيدي بإختصار: دور ناقد أو فيلسوف التاريخ ، هو غربلة التاريخ من إفك الأسطرة والمخادعة والتزوير. فما وصلنا هو تاريخ السلطة.
- مازن بكاري
8 كانون الأول (ديسمبر) 01:13
يعتقد كثير من الناس ,ومنهم أ.الغندور,أن نقد وسائل النقل العصريةمثل الطائرات والقطارات السريعةلما سببته من كوارث ومآسي لعديد العائلات هو بمثابة تمجيد للسفر على ظهر الحمير والجمال.بل يعتقد هؤلاء أن نقدهذه الوسائل العصرية هي دعوة صريحةللتخلي عنها والعودة للسفر على ظهر الجمال والحمير .
Ruston, Louisiana - أحمد نظير الأتاسي
8 كانون الأول (ديسمبر) 08:53
تحية للجميع كاتباً ومعلقين جميعاً وفرادى. قد يبدو التعليق خارج موضوع المقالة لكني أعتقد أنه في صلب منهج البحث. أولاً، لا بد لي أن أوضح بعض النقاط الهامة لأني كنت البادىء. أستاذ الغندور، لم أقصد بانتقادي إسكاتك أو الإيحاء بعدم تثميني لمشاركاتك، على العكس، فلولاك لم أبدأ القراءة عن هيدغر وغادامر. أنا انتقدت الأسلوب والتواتر وليس المحتوى. وأعتقد أنك لا تزال تخطىء فهمنا وتضعنا في خانات فلسفية لا نعرف عنها إلا الأسماء وتحكم علينا ونعاملنا من هذا المنطلق. نحن لسنا دارسي فلسفة وإن كان تحصيل الواحد منا لا بد مرتبط بمدرسة فلسفية أو عدة مدارس دون أن ندري. لولا أن قضيت عدة ساعات أقرأ عن الفيلسوفين المذكورين أعلاه لما فهمت فحوى قولك "الوجود الذي يتم اختزاله في الفكرة عن الموجود، والتي هي في حقيقتها مجرد نسيان للوجود وتشيوء لا أكثر". كما يعطينا الأستاذ نادر فكرة عن الكتابات بالألمانية فأنا أدعوك أن تكون مدخلنا إلى هيرمينوطيقا هيدغر وغادامر. لأن الإنتقال من فلسفة هيدغر عن الوجود إلى الهيرمينوطيقا الفلسفية ليس بالأمر السهل ولا الواضح. ثانياً، ليس فينا واحد من المنتمين والمدافعين عن مدرسة وإنما نتعرف ونتأرجح حتى نكون "فلسفتنا الخاصة" وإذا أردت الإطلاع على "فلسفتي" فهي في قسم Theorizing الموجود على موقع مشروعي www.veins-web.net لكن عذراً فهي بالإنكليزية وهي قائمة على خلفية تحصيلي في الرياضيات والهندسة والتاريخ. إما إذا ألححت على وضعنا في خانة التراثية أو الفيلولوجيا أو الفكر الألماني أو الفكر الأنغلوساكسوني أو مابعد الحداثي أو الحداثي أو أي من هذه المدارس فإننا سنثور، ليس لأننا لا نفهمها ولكن لأننا نحصّل من هنا وهناك بحكم كوننا بين عدة ثقافات عربية ألمانية فرنسية أو إنكليزية ونقرأ ما يقع تحت أيدينا، عدا الإهتمام المهني لكل منا والذي قد يكون أو قد لا يكون أكاديمياً أو ثقافياً. ثالثاً، الفلسفة ننعامل مع العلوم التطبيقية أو العلوم الدقيقة بازدراء وتكافئها هذه العلوم بالمثل. وأنا شخصياً لي طريقي الخاص الناتج عن تجربتي والتي حاولت أن تكون "تجربة باليد" وليست "بالقيل والقال" أي أنني مارست العلوم التطبيقية والرياضيات والتاريخ والفيلولوجيا والأركيولوجيا والأنثروبولوجيا والأدب والنقد الأدبي (والفلسفة حديثاُ) بجرعات متفاوتة ولذلك أعتقد أني أرى شيئاً مفيداً في كل منها. ولا أعتقد أنك مصيب في أن أي منها قد انقرض في الغرب أو الشرق فكلها حاضرة وبقوة في أماكن مختلفة وكلها تضيف للنقاش، فهي جزء من الزمن الذي يوجد ضمنه الموجود الذي هو بالنهاية أنا. وأوكد لك أن كثيرين منا يعرفون أن من المستحيل "إكتشاف التاريخ" لكننا نتخذ مواقف ضمن االجدال الدائر لأننا نعرف أن الخطاب سيتحول يوماُ إلى أيديولوجيا مطبقة قد لا نرتضيها. حتى ولو آمنا بأن معرفة ماحصل في الماضي (وحتى في الحاضر) مستحيلة فإن أفعالنا لا يمكن إلا أن تنطلق من موقف لأنها مشاركة في هذا الوجود الذي لا نعرف كنهه. لا يمكنني أن أترك الدنيا لمن يؤمنون بوجود حقيقة واحدة ويعتقدون أن قتلي أو إسكاتي حلال لأني أخالفهم الرأي. أنا شخصياً لا أسعى وراء "محمد التاريخي" وإنما أسعى من خلال العمل الفيلولوجي والأركيولوجي وغيره لتقديم إحتمالات جديدة لفهم النص ليس على أنها الفهم الحقيقي وإنما حتى أجعل مهمة المؤمنين بالحقيقة الواحدة صعبة جداً إلى أن يؤمنوا بالتعايش. وعندما سألت أحد الطلاب "لماذا كان جلجامش وإنكيدو بطلين بالنسبة للسومريين؟" أجاب "لأهما هاجما الوحش همبابا وقتلاه"، تماماً كما في الألعاب الإلكترونية وأفلام الخيال العلمي، وبعدها تعتقد أنه عندي أي "أمل" أن "نفهم" النصوص كما فهمها كتّابها. أما بالنسبة لكاتب هانس يانسن فأنا لا أعرفه لكني أتصور أنه مثل بقية المؤرخين لا يهتم بالتنظير ويعتقد أن "البداهة" كافية لفهم التاريخ وأعني فهم الحقيقة لأن كثيرين منهم يؤمنون بحقيقة ما، وإذا كان الهولديون يشبهون الأمريكان فلا بد أنه مسيحي بروتستانتي مؤمن لكنه أيضاً يؤمن بالتسامح الديني على الطريقة الهولندية المعروفة عنهم تاريخياً ويرى أن المتطرفين يشوهون تعاليم المسيح "الأصلية". والله أعلم.
- أمير الغندور
8 كانون الأول (ديسمبر) 11:46
يسعدني جدا التحول الهام الذي طرأ على أفكارك أ أتاسي .. وأهنئك وأحييك عليه بكل إخلاص.
بالنسبة لتعليق أ. سليمان مصالحة حين يقول: "لا يمكن التعامل مع ما يُسمّى التاريخ العربي القديم، الجاهلي والإسلامي من بعده، إلاّ بوصفه مؤلّفات أدبيّة من عمل بشر ذوي أهواء وميول. وأن هذا الأدب الأسطوري أصبح جزءًا من المخيّلة العربيّة. من هذا المنطلق فإنّ التّعامُل معه يجب أن ينحصر في هذه الخانة الأدبيّة ليس إلاّ."
فأريد أن أسأل وهل نصوص أفلاطون ليست نصوص "أدبية" ذات "أهواء وميول أسطورية" .. أم أنها تعتبر نصوصا "علمية وفلسفية"؟؟
لأني أريد أن أفهم كيف يمكن التمييز بين "الأدبي و"غير الأدبي" - أقصد بين الأدبي وبين العلمي والفلسفي"؟
هل نصوص أرسطو ونيوتن وليبنتز وسبينوزا وروسو وهيجل وماركس ليست نصوص "أدبية".
بلى إنها نصوص "مغرقة" في الأدبية. وأي مطلع على فلسفة دريدا سيدرك أن أهم النصوص الفلسفية هي محض نصوص أدبية.
بل إن نصوص أينشتاين في شرح النسبية هي أيضا نصوص أدبية. لكننا لم ندرك "بعد" أنها نصوص أدبية. لكن سيتحقق لنا هذا خلال نصف قرن قادم على الأكثر.
ربما جميع النصوص الموجودة في الكون هي نصوص أدبية. بمعنى أنها تعتمد على الكلمات والمعاني والصور والمجازات وتطرح "تصورات" عن الواقع والإنسان.
أي أنه من المستحيل على البشر إنتاج أي نصوص سوى النصوص الأدبية حصريا. لأنهم لا يملكون سوى الكلمات.
والكلمات (وفقا لسوسير وفتجنشتاين ودريدا) ليست سوى مجازات في أفضل الأحوال، بل ليست سوى توافقات اعتباطية لا علاقة لها بالواقع في أسوأ الأحوال.
بدليل أن نصوص أقليدس وفيثاغورس ونيوتن وأبيقراط لم تعد بالنسبة لنا الآن كما كان يظن أصحابها في زمنهم نصوصا "علمية" .. بل صارت بالنسبة لنا نصوصا أدنى من الأدبية.
وحدها النصوص الأدبية هي التي تبقى .. بدليل أن نصوص أفلاطون وأرسطو وهيراقليطس بقيت بينما انقرض وغابت (من التأثير والذاكرة الكونية) نصوص أقليدس وفيثاغورس ونيوتن.
إذاً لو كان ما يقوله سليمان مصالحة عن "الأدبية" يصبح صحيحا فقط طالما كان لا يعتبرها (الأدبية) صفة "انتقاصية" بالقياس لما يظنه من صفات مضادة يتوهمها مثل "العلمية" أو "الفلسفية" .. فحينها يكون ما يقصده خاطئ .. لأن أساس تمييزه (بين الأدبي والعلمي والفلسفي) غير سليم فلسفيا وتأويليا.
نعود إلى كتاب يانسن هنا .. ونطرح عليه نفس السؤال: هل هو كتاب أدبي أم أنه كتاب "علمي"؟
الإجابة واضحة: إنه كتاب "أدبي" ببساطة لأنه لا يوجد ما هو علمي في مادة التاريخ.
بل أخاطر بالقول أن التاريخ بشكل عام هو مادة درس غير علمية .. بل هي مادة درس أدبية بامتياز. ومن التزييف الظن بأن التاريخ يمكن أن يصير مادة لدرس علمي.
طبعا أفهم الإنزعاج الذي يسببه ما أقوله هنا لأنه يصادر على مزاعم العلمية التي تصادر بدورها على مجمل التجارب والتراث الديني.
لكن بقليل من التفكير نجد أن التاريخ ليس علماء لأنه مستحيل أساساً إخضاعه لما حدده كارل بوبر باسم "قابلية التكذيب" falsifiability
ونعني بها قدرة البشر على اختبار صدق أو كذب الفرضية تجريبيا "بواسطة التجربة".
ذلك أن أحداث التاريخ تحدث مرة واحدة ويستحيل تكرارها. بمعنى من المستحيل ظهور نفس الشخصيات بنفس الأسماء بنفس الأفعال مرة أخرى مثلا. فهذا يناقض فكرة التاريخ أساسا.
لذا يكون من المستحيل إجراء أي تجارب على التاريخ بالشكل العلمي المعروف للتجريب.
ومع افتقارنا لممارسة أي قدرة تجريبية على التاريخ .. ومع افتقارنا لأي قدرة على التحكم والسيطرة على مجريات وظروف التجربة في التاريخ، فإننا بذلك نفقد ضرورة بسط شروط التحقق العلمي وأبسط شروط قابلية اخضاع الفرضيات التاريخية لمبدأ التكذيب.
وبهذا نظل محصورين مع التاريخ في مبدأ التصديق اللاعلمي والأدبي بشكل خطير. حيث تنتفي أي قدرة على تكذيب التاريخ بأي وسيلة يمكن وصفها علمية.
الأخطر من هذا أنه فيما يتعلق بالتاريخ الإسلامي تحديدا، فإن شبهات اللاعلمية تصبح أشد خطورة. ذلك أن الظروف والأوضاع الحالية التي نعرفها جميعا لا تسمح بالحد الأدنى من الموضوعية في تناول هذا التاريخ، ذلك أن أغلب محاولات الدرس الموضوعي للتاريخ والتراث الإسلامي جاءت بالأساس مسيسة ومؤدلجة ومتحيزة وفرضت أجندة البحث مازال الجميع يشتغلون وفقا دون قدرة على تجاوزها
لا أصادر على أهمية ما أنجره الاستشراق. وإن كنت أظن أن جل ما أنجزه الاستشراق يقع في خانة "فيتشية" الوثائق و"صنمية" المخطوطات. وهي مسائل تبدو "كميا" مهمة، ولكنها كيفيا عديمة القيمة، إن لم تكن سلبية.
ما يتكلم أ أتاسي عنه بصفته "البداهة" في التعامل مع التاريخ ومع النصوص .. هو محض "نسيان للوجود".
خذ هذا الاقتباس من هيدجر:
""إن المسافات الزمنية وتسلل العلل تمت إلى التاريخ لا إلى الوجود التاريخي الأصيل. فحينما نوجد تاريخيا، لا نكون على مسافة بعيدة ولا قريبة من الإغريق (أو حياة محمد مثلا). إننا نكون بالنسبة إليهم في التيه والضلال".
فعندما يتكلم يانسن أو أتاسي أو قريط أو النجار أو نولدكه أو أي مؤرخ عن "محمد" أو بوذا أو عيسى من خلال الوثائق والمخطوطات والأركيولوجيات والحفريات. فهو في منطقة خطرة للغاية. لماذا؟
لأنه يظن ويقع في مصيدة "البداهة" التي تتجلى بأوضح تعبيراتها في تعليق أ محمد النجار أعلاه، حين يقول: "الفيلولوجيا والأركيولوجيا .. منهجان علميان يقومان على الدليل، وأكرّر: الدليل .. والاستثناءات وإن كثرت فهي تظلّ استثناءً، والأركيولوجيّ يعرف هذه الأمور في قراءة التاريخ مستأنسا بالفلولوجيا، والعكس بالعكس، ولا يأخذ المعلومات هكذا دون تحقيقها ودرسها." انتهى
هنا تصل الوثوقية و"البداهة" إلى درجة من الخطورة بحيث تصبح كافة المشكلات التي تثبت "فشل" الأركيولوجيا والفيللولوجيا هي مجرد "استثناءات" تثبت صحة الأركيولوجيا والفيللولوجيا .. بدلا من أن تثبت فشلهما الذريع.
هذا هو تحديدا ما تكلمت عنه من رفض "مجمع" العلماء المحصورين في البحث وفق منهج محدد مفارقة هذا المنهج .. رغم كل ما يظهر من مشكلات فيه.
ذلك أنهم يقومون فقط بتحويلها إلى "استثناءات" تثبت صحة المنهج بدلا من أن تثبت فشله. وبهذا يظلون دائرين داخل الخطأ ومزيد من الخطأ دون أي إمكانية للبحث خارج المنهج.
أضف إلى هذا أن البديل (للمنهج الفاشل) موجود بالفعل وقائم (لدى جادامير وريكور).
إذاً هناك إصرار على الفشل وهناك "حصر" وإنحصار وعجز عن التفكير "خارج الإطار" المحدد والمحسوب علميا.
هذه الوضعية أترك للتاريخ الحكم عليها وتوصيفها. وأكتفي باللفت إلى مشكلاتها.
-
- مازن بكاري
8 كانون الأول (ديسمبر) 21:55"يسعدني جدا التحول الهام الذي طرأ على أفكارك أ أتاسي"هي مجرد تصورات منك أنه طرأ عليه تحول.‘لست من القائلين أن كل ما نعتقجه هو مجردج تصورؤات؟
- أمير الغندور
8 كانون الأول (ديسمبر) 12:16
ما أريد قوله هو أننا عندما نتعامل مع نصوص أو وثائق أو حفريات (يمكن اعتبارها نصوصا إن كانت تمثل علامات سيميولوجية) .. علينا أن نفهم أنها ليست "أشياء مادية صنعها الله" كما الأشجار أو الجبال أو الكواكب.
بل هي أشياء صنعها "الإنسان منخرطاً في حضارة محددة"، وهي لذلك وبالضرورة مجرد "تصورات محددة" وليست "أدلة مادية" - كما يفترض النجار - الذي أظنه يحسب التصورات التي جاءت في كتاب هويلاند هي "أدلة مادية ملموسة" وليست مجرد "تصورات بشرية"، أو كما لدى حمود حمود الذي يحسب ما سطره نولدكه هو أرقى علميا وحضاريا مما سطره من قبله من حضارات مختلفة.
وعلى الجانب المقابل نجد أ نادر قريط يلفت في تعليقه أعلاه سلبيا إلى نصوص البخاري ظنا منه أنها لا تمثل إضافات علمية في وقتها، لأنه (نادر قريط) يصادر على هذا العصر المبكر بمجمله على أنه عصر ديني وبالتالي لابد وحتما أن يكون لاعلمياً، لذا فبالضرورة أن تكون مجمل منتوجات أفراد هذاا لعصر هي أيضا لاعلمية. وذلك لأن كافة المنتوجات ما هي إلا "إنعكاس" للعصر.
ما يعبر عنه كل هذا هو: وجود "تصورات متحيزة كامنة ومسبقة" داخلنا جميعنا تجاه أي شيء يخص التاريخ.
أرى أن جميع النصوص والحفريات الأركيولولجية المصنوعة أو المتأثرة بشريا (مثل الرسومات على الكهوف) هي نصوص، وبالتالي فهي تعبر عن "تصورات" أصحابها، لا عن الواقع.
لذا فلا وجود لما يسمى "دليل مادي أركيولوجي ملموس"، كما يظن أ محمد النجار. لماذا؟؟
لأن هذا الدليل نفسه يخضع رغما عنه لمئات التأويلات والتصورات حتى قبل أن يظهر للوجود. لذا فحتى لو تمكن الباحث الأركيولوجي من العثور على أدلة هامة وكافية، فإنه من المستحيل أن يتمكن من الإفلات من تصوراته المتحيزة والمسبقة نحو موضوع الدرس أساساً.
لذا فغالبا ما يأتي باحث تالي عليه، ويكشف مزيد من المشكلات فيما وصل إليه الباحث السابق، وهكذا.
وتستمر العملية في وضع الفرضيات المتحيزة التي يليها كشف للتحيز، ثم يليها "تحيز ضد التحيز" ثم يليها قطيعة معرفية مع جميع ما تم سابقا. وهذه مسألة لا تتوقف ولن تتوقف.
لذا ففهم التاريخ لا يمكن أن يتم في أي مرحلة من التاريخ، اللهم إلا عند نهاية التاريخ. وربما كان هذا هو الدافع للقول بنهاية التاريخ. لأن من قالوا بذلك ظنوا أنهم وصلوا لفهم كل ما سبق. لكن أتى بعدهم من فهموا تحيزات فهمهم، وهكذا.
لكن النصوص لها تركيبها ولها قدرتها "المادية" على مقاومة ومعارضة تصورات واضعيها أنفسهم رغما عنهم.
لذا فمن الممكن لنا "محاولة" فهمها بشكل مختلف تماما عما قصد إليه أصحابها الذين أنتجوها. وعندها نظن أننا فهمناها بأفضل مما فهموها هم. ونسعى لتثبيت فهمنا على أنه هو الفهم الصحيح وأن ما سبقه كان فهما خاطئا.
ولذا فغالبا ما ننسى أننا نتعامل دوما مع "تصورات في تصورات ناشئة عن تصورات" لا أكثر.
أما الظن بأننا نتعامل مع "التاريخ الحقيقي والواقعي لما حدث فعلا" هكذا بكل "بداهة" فهو ظن يعاني من تناقض واضح، ربما لأنه طلب لمستحيل.
ذلك أن التاريخ أساسا من المستحيل معرفته علميا كما أوضحت أعلاه. فجميع ما نتعامل معه من نصوص ومنتوجات حضارية بشرية هو من قبيل "التصورات المنتجة" وليس من قبيل الأشياء الملقاة في العالم دون قصد مسبق لنأتي نحن بكل "بداهة" ونفهم قصدها دون أن ندرك أننا إنما نضع عليها "قصدنا نحن" ظنا منا أنها محض "حقائق" لم تكن تقصد شيئا في "بداهتها الأصلية" سوى أن نكتشفها نحن هكذا بكل "بداهة المصادفة".
فهنا تكون "البداهة" هي بالضبط "نسيان الوجود" الذي تكلم عنه هيدجر. لأننا دوما نعيش في البداهة عندما لا نكون على وعي تام بهوياتنا وتاريخنا وطموحاتنا.
ذلك أنه يمكن عد "البداهة" بمثابة ابتكار إنساني شعبوي للإفلات من ثقل الوجود والتاريخ والواقع وممارسة العيش في لحظة خارجة عن الوجود والدوران الفلكي ضمن مسارات تسيير الأمور وفق السائد.
ولذا يصبح من الخطورة بمكان التفكير من منطلق البداهة لأنها إنما ترتبط حصريا بمركز ثقل السلطة المعرفية السائدة تحت الجلد.
لكن إن أردنا الوضع العلمي الأمثل فأظنه يوجد خارج البداهة .. وبالتحديد في "فهم" أبعاد هذه المشكلات الهيرمينوطيقية الكامنة بالضرورة في كافة النصوص والحفريات الأركيولوجية المتأثرة بالحضارة البشرية.
والتي ينبغي التعامل معها على أنها محض تصورات قابلة لإعادة التصور وفق مئات التأويلات المختلفة والممكنة. إننا إنما نختار بعضها استسهالا وفق آليات السلطة المعرفية السائدة ونحسب ذلك علما، لأنه ينسج داخل ذات المنهج العلمي الذي نرفض اعتباره فاشلا، لأننا بالبداهة نعجز عن تجاوزه.
وبهذا لا تكون الأدلة المحسوبة حقائق علمية بأكثر صدقا من التصورات المحسوبة دينية. بل هناك فقط تحيزات مختلفة لدى الطرفين. ويصبح المطلوب ليس إعلاء أو إلغاء أحدها على الآخر، بل تقريب كل منها من الآخر.
ربما بغرض الوصول إلى منهج متكامل يتفادي مشكلات كلا المنهجين في التفكير والتصور.
-
- - نادر قريط
8 كانون الأول (ديسمبر) 13:43حقيقة أشعر بالإمتنان للأستاذ الغندور.. فما قدمه من نقد وإضافة مهم ، وقد سبق لي أن أعلمته بأن ميلنا الطبيعي للتصنيف والجدولة والفرز هو عملية ذهنية محضة،خشية الوقوع في العشواء ، فالأمور متشابكة إلى حد اللعنة. وعندما يقال " أدب ديني" فهو تعبير إختزالي لشيئ محدد، وليس وصم الأدب بالعار.. والقضية تخضع لسياقها أي تمييز ما يُسمى حقائق تاريخية (كما هي في ذهن المؤمن) عن التصوّرات الذهنية التي راكمتها أجيال المُقدّسين.. دعني أضرب لك مثالا كيف تتداخل الأمور وتختلط بصورة جهنمية، على مستوى الفيللوجية والأركيولوجية والوثيقة واللغة (حتى بمفهومك السوسري الداريدي) نحن اليوم في مطلع محرم رأس السنة الهجرية وفي العاشر منه ذكرى عاشوراء.. ولو راجعنا مالدينا من أدب ديني(سفر الخروج) سنجد أن يهوى أمر اليهود بتقديم قربان الفصح (إحتفاءا بعبورهم) في العاشر من شهر يُسمى نيسان، الذي كان رأس السنة اليهودية(والبابلية، والفارسية) .. ماذا يعني ذلك للناقد؟ يعني أن القربان الحسيني، هو إستمرار لقربان الفصح ؟(والقربان المسيحي) وإلا ما معنى توافق الحدثين بعد عشرة أيام من بداية تقويمين (قمرين) قد يكون هذا تهويما وإفتراضا عبثيا .. لكن لو درسنا السياق اليهودي في العراق. ودرسنا إشكاليات التقويم الهجري واليهودي .وظروف الوثائق والتأثير في بيئة زمنية محددة .. سنصل إلى التشكيك بتاريخية الحدث الحسيني من أصله .. هذا لا يعني أن الحسين لم يوجد إطلاقا .. بل يعني أن الصورة التي وصلتنا هي مركبة من عناصر وتأثيرات ونوازع ودوافع شديدة التعقيد .. ومهمة الناقد ليس إختلاق بنوءة جديدة بل طرح الأسئلة الجادة (وأحيانا لأسباب براغماتية أو أهداف نبيلة؟ أملا أن تكون الكلمة الأخيرة واضحة)
- أمير الغندور
8 كانون الأول (ديسمبر) 14:45
يقول أ نادر قريط:
"مهمة الناقد
ليس "إختلاق نبوءة جديدة"
بل طرح الأسئلة الجادة
وأحيانا لأسباب براغماتية أو
أهداف نبيلة؟"
وكما هو واضح تتكون هذه الأجندة البسطية من 5 أجزاء أو أفكار قصيرة.
لكني أظن أن حتى هذه البساطة مستحيلة التنفيذ.
فبالنسبة للأولى، أظنك أ نادر قريط تذكر أن هاشم صالح تكلم عن "نبوءة جديدة".
بل ربما كان هذا حاضرا عند كثيرين أخرين مثل نيتشه وهيدغر وجبران وكثير من أهم نقاد ومنقحي الفكر.
لذا فلا يمكننا أن نصادر على هذه الرغبة أو المهمة.
بالنسبة للفكرة الثانية: فمن يقرر أن الأسئلة المطروحة جادة أم مجرد تضييع وقت.
أنت تعرف أن فيتجنشتاين العبقرى اكتشف أن أغلب الأسئلة الفلسفية هي أسئلة غير جادة بل مجرد تضييع وقت.
يوافقه في ذلك رورتي وديوي وهيدجر.
وهكذا بالنسبة للثالثة: الأسباب البراغماتية .. والأهداف النبيلة..
ألا تتغير هذه من عصر لعصر بل ومن عمر لعمر ومن منصب لمنصب مع الشخص الواحد؟؟
واضح أن تصوراتك يمكن أن تصير محل تأويلات عديدة ومتضاربة ولا نهائية.
رغم أنك لم تقصد بها سوى التحديد التام.
فمن المؤكد أنك تقصد تماما ما تقوله.
لكن المشكلة أن ما تقصده يبقى عندك وحدك، ولا ينفذ منه إلينا بتعدداتنا الهائلة في التفكير، إلا أقل القليل.
ويبقى أن أهم ما في قصدك يستحيل نقله بالكلمات. كما هو واضح من تفكيك ما تقول.
فما بالك عندما يأتي بعدنا بعشرات ومئات السنين أخرون يحاولون فهم ما نقوله هنا.
المسألة هي:
أن أي قراءة لأي نص هو إساءة قراءة ومحاولة لصب النص وفق فكرة مسبقة موجودة لدى القارئ.
وبما أننا نحن نمارس حاليا قراءة الماضي.
إذا من المؤكد أننا نفرض على الماضي قراءاتنا نحن له وليس العكس.
"دراسة التاريخ .. يا لها من رفاهية luxury!!" هذه العبارة قالتها تاتشر أثناء زيارتها لإحدى المدارس البريطانية.
بالطبع لم تقصد تاتشر المعنى الذي أضفيه عليها هنا.
وهكذا أحب أن أختلف مع ما قلته أنت أعلاه بأن أقول:
أملا أن تكون المسألة قد اصبحت أقل وضوحا ووثوقية مما نظن جميعا.
-
- - نادر قريط
8 كانون الأول (ديسمبر) 15:34للأسف سأقتطع مما قاله أ العندور مع مقت كل المقولات والإقتباسات، فاللغة لا تقول شيئا؟"دراسة التاريخ .. يا لها من رفاهية luxury!!" كنت أتصوّر أن مثالي السابق (المبسط) سيبلغ مآله. لكن الغندور يأبي أن يسمعني .. يا سيدي النقد وطرح الأسئلة في مسائل الدين والتاريخ ليس ترفا.. وكاتب السطور لا يحمل ضغينة وعداء لمحمد وعيسى والحسين (وباقي القبيلة المقدسة).. بل يشعر بواجب تنويري ألا ترى الملايين وهي تتجمع حول قبر وتعذب نفسها وتعذب غيرها (لدي صديق يعيش في فرنسا يجمع أطفاله الصغار في غرفة مقفلة ليمارسوا هذه الطقوس البكائية)ألا يمس ذلك حياتنا وأوطانناوالتعايش والسلم ..إلخ؟ فلو كانت طقوس عاشوراء تقام بين شعوب الإسكيمو لما استوقفتني لحظة ..يا سيدي للكتابة في التاريخ دوافع تنويرية كما قال كامماير، لأن تاريخا مزوّرا يخلق هوية ووعيا مزيفا وهذا وقود لصراعات دائمة والتنوير أحد مضامين الشعار المُعلن في صفحة الأوان.
- أمير الغندور
8 كانون الأول (ديسمبر) 20:11
هذه المشاعر التنويرية "النبيلة" هي التي بدأت تتعرض لمراجعة شاملة وترشيد مستحق.
بخاصة بعد ما أسميه بالمنعطف الدموي في الثورة الفرنسية.
لقد بدأ التنوير نفسه يفقد ما كنا نظنه له من بريق آخاذ أعمى عيوننا وعقولنا جميعا
ليس للمثقف ما بعد الحداثي هوس غير نقدي بالتنوير.
فالتنوير هو بالضبط "اختلاق نبوءة جديدة"
وهو ما يتعارض مع الأقل مع ما رفضته أنت أعلاه، حين قلت أنه: "ومهمة الناقد ليس إختلاق بنوءة جديدة بل.." انتهى
المثقف أو الناقد ما بعد الحداثي أصبح أقل طموحا وأكثر تواضعا وأكثر إنشغالا بفهم العالم قبل الظن بأنه يحوز القوة والمصداقية لتغيير العالم.
-
- - نادر قريط
8 كانون الأول (ديسمبر) 21:04بما أنك اختصرت الموضوع ونصحت بمنع التنوير، سأختصر لك بهذه القصة: قبل مدة ألتقيت أحد معارفي، وهو أستاذ في جامعة راقية، منح خلال مسيرته الاكاديمية عشرات من إجازات الدكتوراة في الفلسفة.. وبالحقيقة أحبه لبساطته وعلمه. سألته ما رأيك: بكتاب كانط "نقد العقل المحض" أجابني بما يلي: هناك رأيان في أوساط الفلسفة الألمانية، أحدهما يقول بأن الكتاب غير مفهوم بالمرة ( لناطقي الألمانية) ورأي آخر يقول: بأنه ذروة الإبداع العقلي الألماني؟ سألته وأنت ما رأيك؟ قال: أنا أفضل كأسا من الجعة. تحياتي
- أمير الغندور
8 كانون الأول (ديسمبر) 22:31
ليس المطلوب "منع" التنوير .. بل "ترشيد" التنوير.
التنوير ليس اختراعا أوروبيا مبتكرا
فمعنى كلمة بوذا هي "المستنير"
ما يعني أن التنوير ليس ابتكارا حداثيا وأن هناك نسخ متعددة وقديمة بآلاف السنين من "التنوير".
مشكلة التنوير الأوروبي أنه يبدأ من عقول الآخرين.
ولا يبدأ من عقل الذات المستنيرة.
بمعنى أن: التنوير الغربي يبدأ من استعمار الآخرين في الخارج، ومن استلاب المواطنين في الداخل.
وهذه النسخة من التنوير هي أخطر نسخ التنوير وأكثرها استغلالا وتضليلا.
مطلوب نسخة منقحة وجديدة من التنوير تتجاوز المشكلات التي وقعت فيها نسخة التنوير الغربي.
Ruston, Louisiana - أحمد نظير الأتاسي
9 كانون الأول (ديسمبر) 00:02
تحية للجميع. كما قال أ. بكاري لم يطرأ أي تحول، ما قلته سابقاً ولاحقاً ينبع من نفس الأفكار والمعتقدات. أود أن أدلو بدلوي في نقاش نقد الخطاب والتنوير. أشارك أ. الغندور الرأي أن كل منتجات الإنسانلا تعدو كونها نصوصاً أو خطابات يصعب معرفة نوايا الكاتب من خلالها ولا يمكن معرفة إلا نوايا القارئ. ورغم عدم معرفتي بهيدغر إلا أني اشتغالي بتاريخ الكتب والتاريخ بشكل عام أوصلني إلى نفس النتائج. ولا أعتقد أن تفسيري لنص أحسن من أي تفسير آخر بالمعنى المطلق. أي لا فرق بين التفسير الديني والتفسير الأركيولوجي (في أعين مراقب كوني متعال). لكن بالنسبة لي كشخص، كفاعل في هذا العالم هناك معيار وهو معيار أيديولوجي وأنا أعرف ذلك. لكن حياة الإنسان مستحيلة دون معيار للصح والخطأ والجيد والسيء والحسن والقبيح. وهنا يكمن معنى "التنوير". بالطبع بوذا كان مستنيراً وأهورا مزدا إله النور والله يخرجنا من الظلمات إلى النور وكذلك يدعي فولتير وأحمد أمين والقرضاوي. إذاً نحن أمام صراع. لا أريد إلغاء الطرف المعارض لي لكني لا أريد أن يتم إلغائي. في عالم المطلق الكل متساو، أما هنا على الأرض وفي لحظة معينة من الزمان وفي مكان معين هناك دائماً صراع بين معايير مختلفة، فلا بد إذاً من موقف ومن أيديولوجيا. وهنا يصبح التنوير ذا معنى. طبعاً تنويري غير تنوير القرضاوي لكن التسامح وقبول الآخر أساس لا محيد عنه. لا أؤمن بضرورة تفوق واحد على الآخرين بل أؤمن بالتعايش. إذاً لا بد من متابعة إنتاج قراءات جديدة للنصوص القديمة حتى نتمكن من التعايش.
-
- محمد رحال
9 كانون الأول (ديسمبر) 04:50عفوا أساتذتنا الكرام، فمرة أخرى ، و رفعا لكل التباس في الحوار ،استسمحكم بإبداء الملاحظة التالية وهي أنه كان من الأحرى الأخذ بمقولة الفيلسوف ” رورتي” المذكورة أعلاه، و البدء بتحديد المفاهيم التي ينبني عليها كل نقد أو تحليل،و بكل ما يمكن من دقة و توضيح . و ذلك لما لاحظته من حرص الأستاذ الغندور عقب مداخلاته على إعرابه عن خشيته من إثارة حفيظة بعض المحاورين.في حين أرى لا داعي لذلك ما دام مجمل تحليله ينصب في نطاق النقد الإيبستيمولوجي المحض للخطاب ، محترزا كل الاحتراز من الوقوع في أي نقد إيديولوجي . و رغم صعوبة الفصل بين ما هو معرفي و ما هو إيديولوجي ، سيما في الفكر العربي ، فإن الأستاذ الغندور، حسب تقديري المتواضع ، قد حقق في ذلك نجاحا يحسد عليه . و خلاف ما لمح له الأستاذ نادر قريط ، أكثر من مرة ، فهو لا يصدر عن رؤية ترى ، في موضوع النقاش و ما دار حوله من تعليقات حتى الآن ، أي نوع من الطرح الإيدولوجي المعين يستوجب الإبطال أو التأييد . ولكنه ، بغض النظر عن ذلك ، فهو لا يحيد عن الالتزام بانتقاد صياغتها كخطاب معريفي ، أي يكتفي بالجانب الإيبيستيمولوجي و المنطقي في بناء تلك الصياغة . و الخلاصة يمكن القول أن الأستاذ الغندور من خلال كل المداخلات التي تتبعتها له ،فهو بحق يمكنه أن يكون مثالا للباحث الإيبيستيمولوجي ،الذي يتقن الاشتغال بنقد المعرفة . و ربما هذا ما لم يتعود القارئ العربي عليه حتى الآن مما قد يسبب عند البعض شيئا من التضايق و سوء الفهم . هذا من جهة، و من جهة أخرى، فلا بد من التنويه بكلمة الأستاذ أناسي. لقد كانت مثالا للخطاب المابعد حداثي بكل امتياز. ذلك لما يميزها من روح متفتحة على تقبل الرؤى المخالفة ذات النقد المركز على بنية الخطاب . و هي كذلك بعد حداثية لنبذها للاستكبار و التعالي و نزوعها للتواضع المعرفي ، معترفة بنسبية الحقيقة و لا تدعي امتلاكها . و بالمناسبة فإنه يروق لي لو يقاسمني أستاذ التاريخ مفهوم التاريخ كما هو عند “غرامشي”، و هو مفهوم ما بعد حداثي، و يتلخص مغزاه في الدعوة لتحقيق “الاستقلال التاريخي”، و ذلك بالتحرر من الماضي، ماضينا نحن كسلطة مرجعية تحكم تفكيرنا و تهيمن على أحلامنا المستقبلية و توجه رؤانا . و التحرر في نفس الوقت من الآخر ، الغرب ، الذي نتخذه ، بكيفية أو بأخرى ، نموذجا لنهضتنا. فالذات التي يحكمها الماضي ليست ذاتا مستقلة تاريخيا ، و الذات التي يحكمها الآخر، كيفما كان هذا الآخر ، ليست مستقلة تاريخيا . هناك في كلتا الحالتين هوة بين الذات و بين تاريخها الذي تصنعه صيرورة حاضرها . الاستقلال التاريخي بصورة مختصرة هو ذلك الشعار السقراطي المعروف:” اعرف نفسك بنفسك” .فبذلا من أن أعرف نفسي بواسطة نموذج من الماضي أو آخر أجنبي أخضع له أو أستسلم له، يجب أن أعرف نفسي بنفسي. و معرفة الذات لنفسها لا تكون لا تكون عملية و صحيحة إلا بالتحليل بإحصاء رواسب الماضي فيها وآثار الغير عليها، و هذا هو نقد العقل المعرفي الذي قد يحبذه الأستاذ أمير الغندور و لا يضيق به الأستاذ عادل قريط . قبل الختام و على ذكر محمد و الفكر الديني و الشيخ القرضاوي ، فقد خطر ببالي أن ألقي هذا السؤال على الهواء كما يقال :ماهو موقع القرآن من التاريخ؟
- أمير الغندور
9 كانون الأول (ديسمبر) 08:36
إذا نكون وصلنا إلى أن:
"لا فرق بين التفسير الديني والتفسير الأركيولوجي".
لكن التحيز ضروري. لأننا "أمام صراع"
ليس لأننا أما "هدف نبيل" يقوم على "تنوير" أو "تقليد"
لكن لأننا أمام ممارسة "أيديولوجية" "صراعية" حتمية.
إذاً كافة "المعايير" متعسفة واعتباطية وغير مبررة إلا "بالتحيز"
و"لا أريد إلغاء الطرف المعارض لي لكني لا أريد أن يتم إلغائي."
فيصبح ما تم الاتفاق عليه هو تعادل الديني مع العلماني.
أن التنوير الحقيقي هو عدم إلغاء الديني للعلماني أو العلماني للديني.
أما الحديث عن ضرورة "إلغاء" الديني أو اقصاء العلماني .. فهو "سقوط" في لغة "صراعية" بعيدة عن التنوير الحقيقي.
بل هو تزييف للتنوير وهو تبني لنسخة "محددة ومتحيزة وصراعية" من التنوير تقوم على استبعاد وإلغاء وتجريم الدين.
- - نادر قريط
9 كانون الأول (ديسمبر) 11:36
السادة الأفاضل: أولا أعتذر لمن تضايقه لعبة الكلمات هذه، فهي من باب "مكره أخاك لا بطل".. لقد صرحت أكثر من مرة بأن الموضوع هو تقديم رؤية استشراقية قد لا تضيف لي معرفة، إلا أني مهتم بلغة الخطاب التي يحملها، ولعل قراءاتي في النقد المتطرف تدفع لرفع سقف النقد. أجل أستاذ الغندور بدأنا نقترب، فربما رفع سقف النقد يسبب (تنوير حاد يُبهر العين أو يتلف الشبكية) وأنت مع تنوير "رشيد" بلمبات محلية الصنع..لابأس إذن أن يفصل بيننا البازارالشرقي فأنا جاهز للمساومة التي طرحها الأستاذ الأتاسي، ولنتفق مبدئيا على أن ما أسميه "تنويرا" يعني بلغة القرضاوي كفرا بواحا يستحقق الرجم، وما تسميه "تقليدا" هو بلغتي إمتثالا للأسطورة ولتاريخ يحتاج لغربلة، دون أن أرفع بوجه أحد سلاحا غير سلاح الكلمة، وهذا فرق نوعي، فأنا الطرف الأضعف وحالي يشبه من ينتقد الأسلحة النووية لأسرائيل وهو لايملك سكينة مطبخ>>> لفت نظري توظيفك البراغماتي "للمستنير" بودا؟؟ وهذا بلغتي لا يقول شيئا جوهريا، المهم هو أثر الثقافة البودية على معتنقيها وشعوبها. وحسب اعتقادي فإن تجربتهم ليست مستنيرة ولا تقل وحشية ودموية عن غيرها، لا بل أن الجيوش اليابانية والكمير الحمر كانوا الأكثر توحشا، ناهيك عن التوتاليتيرية المقيتة..>>> ومع إتفاقي الكامل معك بأن التنوير يجب أن يكون بدوافع ذاتية وصناعة محلية، لكن استغرب تحريمك للتنوير الاوروبي، وتحليلك لأفكار ما بعد الحداثة الأوروبية. لماذا تحلل لنفسك هايدغر وتحرّم على غيرك روسو، أوليست ما بعد الحداثة نتاج للتنوير؟ فهل حلال لك وحرام على غيرك؟!
- أمير الغندور
9 كانون الأول (ديسمبر) 12:53
ما بعد الحداثة "نقد" و"تصحيح" و"استكمال" للتنوير .. وليست مجرد "نتاج" للتنوير - إن كنا نقصد نتاج "ثانوي" by-product
فحتى هابرماس يقول أن التنوير مشروع لم يستكمل .. لذا فما بعد الحداثة هي استكمال ضروري للتنوير حتى لدى هابرماس التنويري.
أما لدى ليوتار فالتنوير مشروع استبدادي وخادع .. وهو على النقيض من هابرماس.
المهم أن هناك اتفاق على كون التنوير مشروع "ناقص" وبه كثير من الفظاعات .. مثله مثل أغلب وربما كافة المشاريع البشرية.
إذاً فساحة الاقتراب والتوافق هي تلك التي نتفق فيها على تنوير "غير راديكالي" و"غير محارب" و"غير نضالي" .. لا يقوم بتجريم وإلغاء التجارب البشرية الأخرى (الدين والأسطورة والبوذية والإسلام .. ألخ) بدعوى أنه "الإله الحق" وما عاداه فهو "باطل".
لأن هكذا تنوير هو تنوير على الطريقة الاستبدادية الميتافيزيقية التي من المفترض أن يصدر التنوير للمصادرة عليها لا لاعتمادها "وسيلة" عمل مبررة للوصول إلى نتائجه.
والفرق بين هيدجر وبين روسو وسبينوزا .. هو أن روسو يشتغل في سياق تاريخي وجغرافي مختلف .. بينما يشتغل هيدجر في سياق جغرافي مختلف فقط وليس تاريخي مختلف.
كما أن هيدجر يراكم بداخله روسو .. لكن روسو لا يراكم بداخله هيدجر.
ليس لدي "تحريم" للتنوير الأوروبي .. بل فقط محاولة لفهم سياق التنوير الأوروبي .. تفاديا لوقوعي في "تبني لانقدي" لكامل مشروعه بكل نواقصه التي كشفها هيدجر.
فلولا هيدجر ما كنت اكتشفت نواقص ومشكلات التنوير الأوروبي.
لكن بعد حضور هيدجر يصبح من الصعب تجاهل النقد الذي وجهه للتنوير (ومعه نيتشه) ويصبح من غير المقبول أن استمر في إيماني "الراديكالي بالتنوير الأوروبي وكأني لم أعرف ولم أفهم مشكلاته .. ولو تحت دعوى أننا نحتاج للتنوير.
فلو كنت مصابا بالسرطان وأحتاج عملية .. فمع الصعب علي أن أتجاهل الاحصاءات والمعلومات التي تقول بوجود نسبة عالية للوفاة و"فشل" العلاج .. بينما أستمر في الخضوع للعلاج دون البحث في بدائل أخرى متاحة للحصول على علاج أفضل.
فالمسألة عندي ليست "تحريم" للتنوير الأوروبي .. بل طلب حق "عدم تحريم" البحث عن بديل غير أوروبي - ليس بالضرورة محلي الصنع ولا غربي الصنع
أو ربما تعلم وقبول العيش مع السرطان إن تبين لي أن العلاجات المطروحة "غير فعالة" .. فهذا الخيار يعيشه ملايين البشر .. وربما كان أفضل عشرات المرات من الخضوع لعلاجات "غير فعالة .. أو تجاوز ميزانيات أصحابها بالاستدانة وإذلال الروح لإنقاذ الجسد ..
هذه كلها خيارات مطروحة وتعتمد على فهم ظروفنا ومتطلباتنا وقدراتنا ..
لا ينبغي أن ننصب التنوير "غاية عليا" ميتافيزيقية نموت ونحيا من أجلها وحدها كما كانت القومية ورفع راية الدين قبل ذلك.
بل المطلوب أن نفهم متطلباتنا والفاتورة التي ينبغي علينا دفعها وفاعلية النتائج المتوقعة قبل الذهاب إلى غرفة عمليات ربما لا نخرج منها أحياء.
الحياة هي الهدف ولو على حساب التنوير وليس التنوير على حساب الحياة
-
- - نادر قريط
9 كانون الأول (ديسمبر) 13:45ختاما أظن أن الفصل والفرز بين تنوير وحداثة وما بعدها وشرق وغرب وفوق وتحت.. هي تصنيفات ذهنية، وبإعتقادي أن النقد يحتاج كل العدد المعرفية في كل زمان ومكان، سواء كانت عند الجاحظ وأبو حيان والرازي أو كانت عند روسو وماركس وهابرماس وهايدغر، أو عند طرابيشي أوالجابري وبالطبع لن أقلل من أهمية ما يخطه السادة والسيدات في الآوان، فكل إضافة معرفية تستحق التقدير وشكرا
دمشق - حمود حمود
9 كانون الأول (ديسمبر) 13:49
كنت متابعاً الحوار الشيق حبة بحبة مع الأصدقاء، لذا أحب أن أشكرهم من كل قلبي. وأنتهز الفرصة لأشكر الأستاذ نادر قريط، وأقول له فهمت وجهة نظرك تماماً، إلا أنني سأختلف معك تماماً. مع كل محبتي لك أستاذ نادر.
Ruston, Louisiana - أحمد نظير الأتاسي
9 كانون الأول (ديسمبر) 23:56
تحية. قبل أن ننزلق في لجة "الصراع" فأني أود أن أشير إلى أن إقتباس قولي "لا فرق بين التفسير الديني والتفسير الأركيولوجي" قد يعطي المعنى العكسي إذ لابد من النص كله لفهم الإقتباس. لا فرق بين الإثنين في فضاء الأفكار البحتة أي في عالم الفكر المنفصل تماماً عن عالم المادة. وهنا نصل إلى مسألة "أثر الخطاب" أي الربط بين عالم المادة وعالم الفكر، وهنا باعتقادي تدخل فكرة المعيار. فالأثر الموجود أو المنشود هو معيار الحكم على الخطاب. وبالطبع فلكل طرف في "الصراع" معياره. إذا كان معيار أ. قريط هو عقلانية التنوير الأوروبي فما هو معيار أ. الغندور. فبناء على ما يقوله عن هيدغر لا يجوز له الحكم على التنوير بأنه ناقص فهذا حكم معياري. إذا قبلنا بأن التنوير الأوروبي أيديولوجيا (أي مشروع تنفيذي) فما هي أيديولوجية هيدغر، لأني أرى من خلال أ. الغندور أنه لا فصل عنده بين عالم الفكر المحض وعالم المادة أي الأثر وهذا بالنسبة لي دمج للفكر بالأيديولوجيا. طبعاً لا مانع طالما ان المفاهيم واضحة والمعايير واضحة. إذا كانت كل الخطابات متساوية في كونها لا تعبر عن حقيقة خارج عقل الإنسان فكيف يصبح خطاب هيدغر "أفضل" من خطاب التنوير؟ وكيف يمكنه أن يطلق حكم "الناقص" على هذا الأخير؟ وإذا كان أ. الغندور يبحث عن خطاب يمثل الحالة العربية أو الإسلامية فلابد أنه يعتقد أن هذا الخطاب "أفضل" من التنوير الأوروبي، فوفق أي معيار هو "أفضل"؟
- أمير الغندور
10 كانون الأول (ديسمبر) 05:07
تعليقك الأخير أ أتاسي مهم جدا .. وأوافقك على كثير مما ورد فيه.
فبالفعل " لابد من النص كله لفهم الإقتباس" الذي أخذته أنا من أقوالك.
لكني أمد نفس هذه القاعدة التي أوافقك عليها إلى التنوير الأوروبي ..
فلابد أيضا أن نأخذ النص الكامل للتنوير الأوروبي حتى نفهم ما نقتبسه منه من أجزاء متفرقة مثل العقلانية والفردية والحرية .. ألخ.
إذا فنحن متفقان على "ضرورة فهم الجزء ضمن مرجعية الكل"، دون اجتزاء الأجزاء والتركيز عليها وحدها بمعزل عن الكل.
وأنت تقول: "أود أن أشير إلى أن إقتباس قولي "لا فرق بين التفسير الديني والتفسير الأركيولوجي" (يعني) أنه لا فرق بين الإثنين في فضاء الأفكار البحتة أي في عالم الفكر المنفصل تماماً عن عالم المادة." انتهى
وأنت كنت تقول أيضا أنه لا يجب أن يلغي أحدهما الآخر. فأنت لا تريد لأحد أن يلغي تفسيرك. ولا يجب أن تلغي أنت تفسير غيرك.
ولهذا قلت أنا بالمساواة بين التفسيرات. على مستوى الحق في الوجود وعدم الإلغاء.
لكن ماذا عند الانتقال من عالم الفكر إلى العالم المادة؟ كما تقول أ أتاسي؟؟
لكن ما عالم المادة؟ وما عالم الواقع؟
هل هي حالة للواقع نريد تغييرها وترشيدها أم نريد تكريسها وتطبيعها أم لا نريد لها أي شيء؟؟
هذه هي الاحتمالات الثلاثة المتاحة أمامنا فقط: فعل تغير – فعل استمرار – عدم فعل.
وهنا نجد أنفسنا أمام مقولة ماركس: بين فهم العالم وتغيير العالم.
هل الراديكاليون يريدون تغيير؟؟ وهل الغرب يريد استمرار (للأوضاع الدولية)؟؟ وهل المحافظون يريدون عدم فعل؟؟
أليست هذه هي التصورات الثلاثة الأساسية.
أليس ما نريده للواقع هو أن يتشكل وفق "فكرتنا" عمانريده له؟؟
ألسنا بذلك لا نفهم الواقع إلا ضمن "فكرتنا" عما نريده للواقع ومن الواقع.
بمعنى أننا لا نفهم الواقع كما هو عليه. بل كما نريده أن يكون.
ألا يعني هذا أن الواقع هو "فكرتنا" عن الواقع؟
ألا يعني هذا أن عالم المادة هو "تصورنا وأفكارنا" عن عالم المادة؟؟
أريد أن أتجنب مشكلة بيركلي المعروفة.
لذا لابد أن أسير مع المنعطف اللغوي، حيث تنشأ ضرورة "اللغة" بصفتها الوسيط الوحيد المستقل بيننا وبين الواقع.
فلا يمكن أن نفهم الواقع إلا بتحليل تصوراتنا وتصورات غيرنا عن الواقع.
ولا أظنه أنه يوجد واقع خارج تصوراتنا جميعا المختلفة والمتضاربة عن الواقع.
وربما تكمل هذه التصورات بعضها بعضا بحيث تشكل أجزاء تكمل الكل لتعطينا الصورة الصحيحة عن الواقع.
وبذلك يستحيل أن يكون أي تصور عن الواقع هو تصور صحيح إلا عند استكماله مع بقية التصورات عن الواقع.
وبهذا يستحيل أن يقوم معيار صحة التصور عن الواقع أو أثر الخطاب في الواقع على "الإنفراد" بفرض أجندته على الواقع.
بل ربما كان الحل الأمثل هو تضامن التصورات المختلفة في شكل يشبه تقسيم العمل وتقسيم المجالات لإعطاءنا أقرب تصور تجميعي متكامل عن الواقع.
وبذلك لا يكون أي تصور فرداني لدى فولتير أو هيدجر أو الشافعي كل بمفرده صحيح، بل يكون التصور أقرب إلى الصحة فقط عند الوصول إلى توافق وتكامل بين التصورات المتاحة.
وهذا يعني أن تكون الحركة الأقرب إلى الصحة هي حركة تجميعية وليست حركة استبعادية.
لا فالمسألة ليس ضرب هيدجر بفولتير ولا ضرب فولتير بالأشعري ولا ضرب التنوير الأوروبي بالإسلام العربي. بل هي أقرب إلى التجميع بينهم جميعا، والاستفادة منهم جميعا، دون استبعاد أحدهم أو تجريمه.
فالمسألة ليست أن أحدهم أفضل أو أسوأ م الأخر.
لأن هكذا أحكام هي ممارسات متحيزة ومؤدلجة بالضرورة (لأننا كشفنا أعلاه أنه لا فضل لتنوير أو تفسير على أخر).
بل المسألة هي محاولة الاستفادة من "الاختلاف الثري" بين هذه المنظومات جميعا، في الحدود التي لا تتضارب فيها مع بعضها والتي تتناغم فيها مع بعضها.
ذلك هو التحدي الإيجابي المرغوب طرحه وبالتالي البحث عن حل له.
وليس التحدي السلبي المتمثل في مضاربة كل من هذه المنظومات مع الآخر، لنسقط في حرب منظومات يضيع فيها البشر، ولا تستفيد المنظومات.
بل الطريق الوحيد للاستفادة هو أن نبحث عن وضع جديد وحل جديد تتناغم فيه كافة هذه المنظومات معا، دون أن تتضارب.
وهذا بالضبط سر معارضتي للتوجهات التي تضرب منظومة بمنظومة أخرى.
فنادرا ما أري أي جهد تجميعي بين المنظومات (الغرب الإسلام فولتير هيدجر الشافعي).
بل غالبا ما نرى جهود تفريقية واستعدائية تهدف لإذكاء حروب بين المنظومات، ولا تهدف لأقامة تناغم بين المنظومات.
هذا هو التحدي المطلوب النسج داخله. وخلاف ذلك هو إذكاء لصراعات وتكرار لإنشقاقات عانينا منها جميعا ما يكفي لنشهد بفشلها.
- - نادر قريط
10 كانون الأول (ديسمبر) 16:05
الشكر موصول أيضا للأستاذ حمود حمود ولا بأس أن نختلف فنحن جميعا طلبة معرفة..أيضا أشكر أ رحال الذي طرح سؤالا مهما حول مركزية القرآن في الموروث، وشخصيا تجنبت هذا المحور المهم وتركته لزمن قادم.. مع أني أنتظرت من رحال تلميحا أو إعتذارا على وصمه زملائنا بالغوغاء..وكذا لا يفوتني إضافات أ أتاسي والغندور ..فبعد مراجعة لما طُرح ..أجد أن أ الغندور.. بات يتفق بأن الإقتباس (المنزوع من سياقه) هو قتل للمعنى والمجاز الذي يحتضن النص، وهذه إدانة ضمنيا لبعض التفكيكيين الذي يميلون لإلتقاط عبارة ما ثم حصرها في زاوية الحلبة وملاكمتها.. عليه سوف أتعوذ من الشيطان قبل أن أقتبس من الغندور شيئا.. فكلامه عن إحتواء وتصويب "ما بعد الحداثة" لأفكار التنوير معقول ومفهوم .. لكن إسقاط الأفكار وأثرها على الواقع أمر معقد وملتبس ..فجدلية العقل (اللغة) والواقع تجبرنا مع السيد الغندر إلى قبول صورة تراكمية استكمالية توحيدية للأفكار.. وهذا لا يختلف جوهريا عما أشرت له في مكان آخر .. صحيح أن الجديد يحتوي القديم (وطالب الأبتدائية الآن لدية معارف أكثر من سقراط ) لكن للنصوص الكبرى فرادتها . ولا أتصور بأن نصوصنا قادرة على إحتواء المتنبي .. صحيح أن حصيل معارفنا يفوقه إلا أن فرادته ونصوصه تفوقنا بخلودها وديمومتها .. وهذا ينطبق أيضا على كل النصوص المهمة للقديم والحديث، والمهم برأيي المتواضع قدرة الأفكار على ولوج الواقع والتأثير فيه، لذا أجد أن الجدل النظري في مسائل ما بعد الحداثة وإسقاطها في واقعنا العربي، يشبه عرض أزياء شانيل في مضارب قبيلة بدوية وشكرا
بالفعل كلام امير غندور قوي من جهة انه ينشد العدل فيستخدم نفس اسلحة نادر ضد نادر نفسه و يخضعه لنفس آليات نقده فينتج عنها ان نفس مقال نادر لا يخرج عن كونه نفس النبؤوة الجديدة و هذا طبيعي لأن استخدام هذه الآليات الشخصية تجعل كل شيء نبوؤة..و كل شيء كذبة..
ردحذفلم يعتد شرقنا التعرف علي مثل هذه الدراسة لسبب بسيط ان الفزاعة اللاشعورية القابعة في قاع العقل قد تحولت منذ زمن الطواطم البدائية الي ايقونات مقدسة جسمتها الشخوص الدينية في زمن الاديان. فأوهام اللاوعي التي عصفت بالانسان القديم والتي لا يمكن تحملها طويلا اصبحت مما يذوب فيه انسان مرحلة الدين ولها وحبا وعشقا، بمعني ان السطوة المخيفة القديمة تحولت الي سطوة جديدة محبوبة حتي تستمر الحياه باستواء، فالخوف الدائم غير محتمل. كانت ثمرة التحولات هو ضرب المنطق دائما. ونموذجه حديث الوحي لمحمد لحظة وفاته تخييرا له اما بالبقاء والخلود وإما بلقاء البعبع. وكان خيارهم له بلقاء البعبع حلا بالتحايل علي الضرورات لاثبات الضرورة !!! التي طالما نسجوا الاساطير لاثباتها. كشفت هذه الحادثة ان التحولات لم تكن مكتملة وان الخوف القابع في اعماق النفس لازال يعمل داخل نخب عصر الاديان من كتاب السير، فيالها من شفقة يستحقها العوام ليس فقط فيما يشاركون فيه النخب من اوهام العقل انما من السياسيين الذين اعتمدوا النخب لحكم العوام بنفس الاوهام ايضا.
ردحذفمحمد البدري
يعني نابليون ساب الجيوش والمماليك وقعد يمضي على اطباق ... سبحان الله
ردحذف