
إكتشاف الشيطان( متاهة التقويم ؟ )
من يقرأ مدوّنات العصور الغابرة، لابد يميّز بين التاريخ والأسطورة، ولابد يبتسم وهو يسمع الطبري يقول في سياق شرحه لآية ( ن والقلم ): خلق [ الله] الأرض على حوت والحوت هو النون، والحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على صخرة، والصخرة على الريح، فتحرك الحوت فاضطرب، فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت ..إلخ ومن فاته أن يتعرف على إسم السمكة، التي أشارت للإمام عليّ بعبور نهر الفرات أثناء موقعة صفين، فليذهب إلى مجلدات كاشف الأنوار، للمجلسي، ويعلم بأن السمكة تدعى : صرصرة بنت كركرة..هذا بالتأكيد ليس تاريخا، (ولا كركرة) إنه نسيج أسطوري خضع لروح عصره، ولسياقه العقلي والزمني، وهو لا يقلل من شأن كتابه، الذين كانوا محكومين بأطر المعرفة التي سادت زمنهم، فالنقد التاريخي، لا يقيم وزنا لهكذا موروث شفهي، ولا لمدوّنات ذلك العصر القصصي الأسطوري، بل يستنتج من ظلالها بعض الحقائق والمفاهيم وأنظمة القيمة، خاصة إذا غابت القرائن المادية كالعمارة والمسكوكات والفنون.. إلخ وبالعموم يمكن القول أن الخطوط العامة للتاريخ الكوني خضعت جوهريا لهيمنة هذا النسق الدوغمائي، وما أسسه كتبة التوراة، وكتّاب تواريخ الملوك والأمم والسير من المسيحيين والمسلمين، وفق منظورهم للكون والعالم، وتحت ضغط الإملاءات الدوغما_سياسلطوية. لكن السيد أبوجعفرالطبري( توفي عام923 م) لا يتوقف هناك وتنتهي قصته ويُطوى خبره، فهو أحد أكابر بناة التاريخ، تماما كمعاصره القيصرالبيزنطي قسطنطين السابع (أكبر مثقفي عصره ) أو غيرهم ممن أخبرونا مثلا أن شارل مارتل 720م، الملقب بالمطرقة (وجد شارلمان العظيم) أوقف زحف المسلمين عند بواتييه (بلاط الشهداء )، وقتل منهم 375 ألف( بالمطرقة طبعا وليس بقنابل فوسفورية!!) هذه المعركة بنظر نقاد اليوم، لم تحدث قط، لأنها تقع في ثقب زمني ( سنوات شبحية) ويمكن ببساطة ضمها إلى قصص علاء الدين والمصباح السحري، أو تركها تلعب على مروج المسعودي، مع أليس في أرض العجائب
منذ عصر النهضة اندلع سجال بين ناقدي التاريخ وبين ( الأغلبية المطمئنة)، التي ما زالت تتشبث بتاريخ سلالات الملوك والحقب والمعارك، وبما هندسه سكاليغر وبيتو أثناء وبُعيد الإصلاح الغريغوري للتقويم عام 1528م، وأهم ساحة لذلك السجال هو التقويم نفسه. وأول إعتراض حقيقي، سجله العالم الشهيرإسحق نيوتن [1]، الذي قدم تابلوهات وجداول زمنية تختصر من تواريخ السلالات والحقب حوالي 500سنة لكنه فشل في مواجهة جداول سكاليغر وبيتو، بسبب إكتشاف ( أو إختلاق ) قوائم مسابقات الأولومبيا اليونانية؟ وبعد أن خفت الجدل، ظلت الشبهات تحوم وتؤشر على وجود ثغرة زمنية، مُلئت عشوائيا، بأحداث وهمية. وأهمية هذا الجدل ترجع إلى وظيفة التقويم: كونه إطار الصورة التاريخية، التي تحدد ملامح الوعي التاريخي، والذاكرة.إن السؤال عن الزمن، وعدد السنين التي إنسكبت في مجرى التاريخ البشري، يظل أمرا يصعب تقديره، حتى على علوم الفلك والفيزياء، لإنعدام مرجعيات دقيقة يمكن الإنطلاق منها، والحساب عليها. على سبيل المثال: يُقدّر الزمن لتآكل آلات ومعدات عصر البرونز في السودان حوالي 9000سنة، ونفسها تتآكل في أسكندنافيا خلال 2500 عام، وكذلك الأمر فإن حساب الطبقات المترسبة في البحيرات، التي يأتيها الطمي سنويا، أثبت إنحرافا كبيرا، يصعب بموجبه تعداد السنين التي إنصرمت. ونفس الأمر مع حساب طبقات الجليد في غرينلاند، أو حساب الحلقات الجذعية للأشجار( طريقة دندرو ) أو القياس بواسطة الكربون 14، فكل هذه الطرق سجلت إنحرافات زمنية، وأخضعت نتائجها دائما للإجتهاد والتأويل والخداع أحيانا.
وقبيل الإحتفال بالألفية الثالثة، ذاع خبر كتاب هربرت إليغ( القرون الوسطى المختلقة )[2] الذي أشار إلى أكبر ثغرة زمنية في التقويم الميلادي (بين614 م و911 م) والبالغة 297 سنة، ومذذاك إشتعل النقاش مجددا ولم يهدأ، وصدرت عشرات الكتب والدراسات، وإنقسم عالم الباحثين بين معارضة وموالاة. ونظرا لصعوبة وطول الحديث حول هذا الموضوع، وجدت أن أقتبس من دراسة صدرت عام 2006 لآدالبرت فيلتز [3]، وأستقي ( أنهب) بعض معلوماتها ، فهي تختصر كثيرا من العناء واللغو، وتنقل آخر أخبار هذه المبارة الحامية، التي لا صافرة لنهايتها.
إن طبخة البابا غريغور الثامن (1528م) وإصلاحه للتقويم اليولياني (الذي أطلقه يوليوس قيصر في يناير1عام 45 ق.م)، حركت حاسة الشم المرهفة عند هربرت إليغ، فالبابا قفز بالكالندر عشرة أيام ( من 4 إلى 15 اكتوبر) ليعيد الإنقلاب الربيعي إلى 21 مارس، بينما كان من المفروض عليه أن يقفز 13 يوما ( بالضبط12.7) ؟ وهذه المدة هي تراكم الخطأ الذي خلفه التقويم اليولياني ( بين 45 ق.م و1582م ) والذي سبب إنحراف موعد بداية الربيع ( تساوي الليل والنهار) فمن المعروف أن السنة الفلكية تبلغ 365 يوم و5ساعلت و48 دقيقة و46ثانية، وهي تقل عن السنة اليوليانية ب 11.27دقيقة وبالتالي فإن الخطأ المتراكم يصبح: 1627سنة يولياني× 11 دقيقة، والنتيجة تساوي12.7 يوم، وعدم إضافة الكمية2.7 يوم، يعني إختفاء حوالي ثلاثة قرون من زمن الكالندر. إلا في حاليتين إثنتين: أولا: أن يكون الإنقلاب الربيعي زمن يوليوس قيصر، قد صادف 24 مارس وليس 21 مارس، ثانيا: أن يكون إطلاق التقويم بدأ فعلا في 21 مارس، ثم جرى إصلاحه أثناء الموتمر الكنسي في نيقيا عام 325م ، بالقفز ثلاثة أيام ( من 18 إلى 21 مارس كما تشير أحدى الوثائق المزعومة) ومع غياب الإثباتات، ووثائق المؤتمرات الكنسية ( المسكونية ) يمكن للمرء أن يفترض عدم حدوث إصلاح ما، فالساعة الشمسية الأثرية في روما، التي شيّدت تكريما وتعظيما للقيصر الروماني أغسطس، تشير إلى أن يوم ولادته صادف 23 سبتمبر (وهو موعد الإنقلاب الخريفي، الذي تحدده الساعة الشمسية بدقة، عندما يُشكل ظل الشروق وظل الغروب خطا مستقيما، وهو يوم فأل للإمبراطوريةحسب الميثولوجية السائدة آنذاك ) وهذا يعني بالنيجة أن بداية الربيع كانت تتطابق مع 21 مارس.؟
لكن دعنا من هذا السؤال، الذي سيبقى مفتوحا للإحتمالات، لنرى الأسباب الحقيقية، التي دفعت المسيحية للإهتمام بالزمن فهناك مكتوب من القيصر قسطنطين الكبير يقول فيه: إتفق الرأي على ضرورة الإحتفال بعيد الفصح سوية، وهذا إتفاق ملزم ، عليه فإن الفصح يكون: أول يوم أحد بعد حلول الربيع وإكتمال القمر. لذا فإن البحث عن تناغم بين الدورة القمرية والسنة اليوليانية الشمسية، وحسابها مقدما بدون اللجوء إلى المراقبة الفلكية، وتحديد أيام آحاد الفصح ( جداول الفصح) كان الدافع والمحرض الأول للإشتغال بالتقويم وحساب الزمن.ومن خلال العودة إلى تلك الحسابات وجداول الفصح، والوثائق التي حددت أوقات الخسوف والكسوف وإرتباطها بإهمال غريغور ل2.7 يوم، من إصلاحه، كل ذلك فتح سجالا طويلا أخرها ما كتبه أندرياس بيركن، وجان بوفورت.أما بالنسبة إلى إليغ ، الذي إشتم رائحة شواط، من طبخة البابا تلك، فيعود له الفضل بتسليط الضوء على تاريخ القرون الوسطى المبكرة ( بين القرن7و10) حيث تبيّن له غيابا كاملا للدلائل والإثباتات الحسية، وكأن إوروبا خلال هذه الفترة لم تبن كنائسا ولم تكتب كتبا، ولم تصك عملات، ومعظم الوثائق والمخطوطات، التي نسبت إلى تلك الفترة ُصنفت بإعتبارها مزوّرات ومنحولات، فإستنتج إليغ أن الأعوام بين 614م و 911م ليست أكثر من تاريخ بدون تاريخ، أو سنوات شبحية حسب إصطلاح هانس نيميتس. !!لكن إليغ ومناصريه الكثر من أمثال هاينسون ونيميتس وتوبر وبيكل، ليسوا وحيدين في الميدان. فالموالاة أيضا لاتزال متراصة الصفوف، وتدافع بعزيمة آخرها ماكتبه فويغت عام 2005[4] فقد قام بحسابات إرتجاعية ( دقيقة ) لتقويم ريفينا ( إيطاليا ) المنقوش على لوح صخري، وأثبت بحساباته صحة التقويم الميلادي الحالي، وإستحالة وجود سنوات شبحية، وكذلك الحال مع تحليله لجداول آحاد الفصح لهيبوليتوس.. وكان رد النقاد، بأن هذه الحسابات صحيحة، بشرط أن تكون ألواح ريفينا قد نقشت قبل القرن 11م ، ومن يستطيع إثبات ذلك؟؟
خلاصة:
بعد هذه الدوخة فإن الدلائل التاريخية تشير إلى أن القفزة في التقويم حدثت بين القرن 10و11م، وترتبط ببداية إطلاق وإستعمال التقويم الميلادي وتطبيقه على التاريخ اليوناني الروماني.وقبل أن يتسرب الملل أو الشك، لابد أن نحدس، بأن هذه الفترة الشبحية بين 614م و911م ليست فترة عادية يمكن تجاهلها والإغماض عنها، فأوروبا تستطيع أن تضحي بشارلمان وسلسلة الملوك والبابوات ( قبله وبعده) وتتحمل بعض الآلم والحزن على فراقهم، لكن ماذا يفعل العرب والمسلمون، إذا كانت السنة الهجرية الأولى قد رُبطت بصخرة عام 622 ميلادي؟ ماذا نفعل إذا كانت المرحلة التأسيسة للإسلام تقع في هذا الثقب الأسود؟ قد يحزن( أو يفرح) البعض لغياب الصحابي الجليل أبو هريرة، لكن أين سنضع معركة الطف، وعلى من سيرتدي الشيعة أثواب الحداد؟ الجواب ببساطة هو فك هذه العقدة، فالتقويم الهجري هو الأقدم عمليا( هذا مايؤكده الباحثون) وتدعمه الآثار الحسية إعتبارا من 150هجري، والوثائق الكتابية إعتبارا من 250هجري. وأولى الروابط بين التقويمين، لم تظهر قبل القرن 11م ( أو بعد المؤتمر الكنسي في بازل عام1434م!!! وإعتماد الفاتيكان للتقويم المسيحي بشكل رسمي ونهائي، رغم أن كاتالونيا كانت السباقة، وبدأت بإستخدامه رسميا عام 1180م)ما يرمي إليه كاتب السطور، ليس الكتابة عن متاهة، وترهات تشغل بال المترفين، بل التعريف ، بطبيعة النقاش والجدل التاريخي، في أوروبا مابعد الحداثة، وهل بإمكان العرب والمسلمين، أن يتصورا التاريخ بنسبية أكثر، ويتنازلوا شيئا عما يعتقدون أنه ثوابت مطلقة، حُفرت في صخرة الحقيقة، فتاريخ الإسلام المبكر يقع فعليا في منطقة وعرة وشديدة الضبابية، وعندما تكون الرواية التاريخية صحيحة وأكيدة كما سردها الموروث، فإننا حقا أمام معجزة فريدة، في زمن لامعجزات فيه.(التفاصيل تأتي لاحقا)كيف حدث التلاعب بالتقويم الميلادييرى هربرت إليغ أن النصب الأركيولوجية المعمارية، تحددت ملامحها في بيزنطا مع نهاية عصر جستنيان (556م) وبداية عهد أوتو الأول (936م) لذا إقترح أن تبدأ الفترة الشبحية مع إعتلاء هرقل عرش بيزنطا (614م) وهي تتطابق فعليا مع911) عام تنصيب كونراد الأول في مملكة الفرنجة الشرقية. وهنا يطفو السؤال، لماذا حدثت هذه القفزة؟؟ إليغ بإعتباره المايسترو، لفت النظر في دراسة له ( عام 1991م) إلى القيصر البيزنطي المثقف قسطنطين السابع (912_959م ) وأهمية دوره، حيث ينسب إلى دواووينه إعادة كتابة تاريخ العالم، وإتلاف المخطوطات القديمة، بذريعة التحوّل من الحروف الكبيرة إلى الصغيرة( لهذا يعتقد البعض أنه أكبر مزوّر عرفته البشرية) فالحشو التاريخي الذي حدث لايمكن فهمه إلا في سياق حملة منظمة لتجاوز حقب تزمينية مختلفة، أوتقاويم وتواريخ متعارضة، ويبدو أن الإحتكاك قد حدث بين القرن 10و11م ، آنذاك أخذ هذا القيصر المثقف برؤية خلق العالم التوراتية، وإعتمدها مقياسا للزمن في بيزنطة (إستمر حتى عام 1456م ، وسقوط القسطنطينة ). وقد أثر ذلك على الملك أوتو الثالث الفرنجي ( أمه كانت أميرة بيزنطية) وهو من معاصري البابا غريغور الرابع (996م) و سيلفستر الثاني (999م ) أحد أهم البابوات المثقفين، والذي أراد تحقيق حساب ( كالندر) مسيحي يعتمد مولد المسيح، من هنا بدأ البحث عن نقاط إرتكاز وعلامات تحدد هذا التقويم المسيحي المزمع عمله، وتم العثور على مقولات لديونيسيوس فيلوكالوس (354م) الذي عمل بتكليف من البابا داماسوس (305_385م) على تحديد ميلاد المسيح ،وهكذا تم إختيار عام 753 (بعد تأسيس روما) يوم 25 ديسمبر، موعدا لولادته، وتم ربط ذلك التاريخ بإشارات إنجيلية تفيد بأن المسيح ولد في 1يناير من السنة الثلاثين لحكم القيصر أغسطس، وأيضا تم الإستناد إلى كتاب نسب إلى ديونيسيوس إكسيغوس(525م) وهو على الأرجح من إختراع القيصر قسطنطين السابع، وبالتوازي مع تلك التقاويم، كان هنالك الحساب اليهودي الذي يعتمد الصورة التوراتية لخلق العالم في ستة أيام ( وكل يوم بألف سنة) وحسب هذا التقويم فإننا نعيش اليوم عام 5769 (بعد خلق العالم)، أي أن الخلق حدث عام 3761 قبل الميلاد، في حين أن التحقيب الزمني البيزنطي إعتمد نفس المفهوم التوراتي لكنه حدد ميلاد المسيح في منتصف اليوم السادس، وبالضبط عام 5508( بعد خلق العالم ) معتبرا أن بداية اليوم السابع إيذان بحلول مملكة الرب أو القيامةخلاصة مهمة:
لفت نظري تاريخان وردا عند الطبري، ربط فيهما بين حسابات اليهود والنصارى وبين العام الهجري الأول، ونقل ما تقوله مصادر اليهود، التي تزعم أن الهجرة صادفت عام 4642 (بعد خلق العالم حسب التقويم اليهودي)[6] وبحساب بسيط نستدل أن الهجرة الإسلامية حدثت عام 881ميلادي [4642ناقص3761] ، ثم يضيف حسب لغته: وأما اليونانية من النصارى، فتزعم أن الذي إدعته اليهود باطل وأن الصحيح من القول في قدر مدة أيام الدنيا، من لدن خلق آدم إلى وقت الهجرة هو 5992 وبضعة أشهر؟؟ ووفق الحساب البيزنطي، الذي يحدد ولادة المسيح عام 5508 بعد خلق العالم، فإن الهجرة صادفت عام 484 ميلادي[5592 ناقص 5508] وحسب رأيي المتواضع، فإن جذور مشكلة التقويم الميلادي تعود إلى الخلاف بين اليهود، والبيزنطيين حول تزمين حقبة خلق العالم، فتاريخ الطبري ، يقدم خدمة جليلة لتيار النقد (تفوق قصة الحوت ) والرقمان اللذان أوردهما حقيقة تعكس الواقع، إذ لامصلحة دوغمائية وراء إختلاقهما، سيما وأنهما وردا خارج سياق بنائه الدوغما أسطوري، ولا يمسّا جدلا إسلاميا خطيرا يلزمه ( براءة إختلاق ؟؟) ولا أدري سبب غفلة الباحثين الغربيين عن هذه المعلومة، التي تشرح ببساطة أسباب حدوث القفزة الزمنية، في الكالندر المسيحي، فتقدير الهجرة الإسلامية( يهوديا) يقع عام 881ميلادي ( وبيزنطيا) يصادف عام 484 ميلادي والفرق بين الرقمين 397سنة، وهذا يزيد عن الزمن الشبحي لهربرت إليغ بمائة سنة!! وبهذا يكون الطبري، قد أسدى لتيار النقد إضاءة معرفية أخرى، ربما لم يلتفت لها أحد ، فالرقم 397 يتشابه مع الرقم 297سنة شبحية، وربما وقع الطبري أو نسّاخ تاريخه من الوراقين بخطأ كتابي ما ؟؟ لكن الأمور تتجه لتأكيد ماذهب إليه هربرت إليغ الذي يجزم أننا نعيش اليوم في العام ((ألف وسبعمائة وأحد عشر ميلادي)) آملا أن لا يضطرب الحوت (النون) ولا تتزلزل الأرض، وإن نفخ في الصور فلا مانع لدينا
وعودة لما تناولته في دراسة Adalbert Feltz، عن فرضية السنوات الشبحية ( بين 614م و 911م ) التي صاغها H. Illig في كتابه: القرون الوسطى المبتدعة أو المختلقة، أقدم فيما يلي أهم حسابات الزمن، التي سادت عصر الأنتيكا، فالتقويم اليولياني ( 44 أو 45 ق.م يسمى أيضا بالسنة الإسبانية Era وكان الأندلسيون يسمونه عام سفر: وهو الإسم القديم لإسبانيا ومنها إسم يهود السفارديم) عرف إستخداما واسعا حتى القرن 15م، أما في بيزنطا، فقد سيطر كما أسلفت تقويم مابعد خلق العالم، الذي يبدأ حسابه من 5508ق.م، ( وبالنسبة لليهود عام 3761 ق.م ) وأيضا ساد حساب يعتمد سنوات القياصرة والقناصل الرومان. رغم ذلك عرفت الأنتيكا أشكالا أخرى لتزمين الحقب أهمها:الحقبة الفلبينية ( نسبة إلى فيليب ارهيدايوس Arrhidaius خليفة الإسكندر، ونقطة إنطلاقها 12.11.324 ق.م، وهي تتساوى تقريبا مع تاريخ موت الإسكندر المقدوني. وحقبة القيصر الروماني أغسطس،التي إنطلقت مع إنفراده بالسلطة أعقاب إحتلاله للإسكندرية يوم 30.8.30 ق.م، وتسمى أيضا "الحقبة الإسكندرانية"، وكانت منتشرة في المشرق، وهنا يرى Illig و Heinson إمكانية حدوث سنوات شبحية بسبب إشتباه ما أو خلط متعمد لتواريخ حقبة أغسطس ( أو الإسكندرية ) مع حقبة الإسكندر المقدوني ( الفرق حوالي ثلاثة قرون )أيضا هناك الحقبة السلوقية، 1.10. 312 ق.م ( تاريخ المعركة بين Seleukos وDiadochen)، وأخيرا حقبة الشهداء التي تعود إلى دوقليديان 29.8.284م. لكن مع كثرة تلك التقاويم، وإحتمال الحشو واللبس، فإن الدلائل تشير بأن الدواوين الكتابية في بيزنطا، قسطنطين السابع، قامت أواسط القرن10 بفلترة التاريخ، وإعادة كتابته، وإتلاف وثائق الأنتيكا، وفرض رؤية أحادية، تقررها نظارة هذا القيصر، والسبب كما يراه Beaufort هو طموح القيصر في خلق صورة موحدة للمسيحية وربطها بإيقاع الحسابات الفلكية، التي كانت جداول الفصح مفتاحا لها. فدورة 28 سنة شمسية، هي ضرورية لإعادة تواريخ أيام الأسبوع، إلى نفس حالها( بموجب الكالندر اليولياني) وكذلك فإن مرور 235 شهر قمري (19 سنة شمسية ) ضروري أيضا لإعادة الإيقاع الدوري Ziklus لأحد الفصح، الذي يكون بالنتجة 532سنة ( 28×19) [وهي المدة لعودة أحد الفصح إلى نفس تاريخ الكالندر، بعد بلوغ القمر تمامه) ويبدو أن طاقم القيصر وكتابه، كانوا بحاجة لخلق تناغم بين إيقاع Ziklus الفصح ( 532 سنة) وبين الأحداث التاريخية التي نسبت لفترة المسيح، وهذا التناغم يتحقق من خلال إستبدال العام 235 م بعام 532 م ( الفرق بين الرقمين 297 سنة ) وهذا يعني تطويل الحقبة الرومانية؟
وإختصارا أود تقديم مخطط H. U. Niemitz( وهو من أهم أنصار Illig) كما إستقيتها من بحث له ( نشر بالإنكليزية ) [7] وقد أضفت لمحور قياس الزمن الفترة بين (30 ق.م و400 ميلادي ) كان نيميتس قد تجاهلها ( بإعتبارها بديهية يمكن إستنتاجها بسهولة ) ووفق هذا المخطط البياني يمكن ملاحظة الإزاحات الزمنية للأحداث التاريخية ويمكن توضيحها على النحو التالي :
تاريخ وسط أوروبا:
القيصر الروماني أغسطس (30ق.م _ 14 م)يصبح (267_ 311م ) وميلاد المسيح 1ميلادي يعادل 297م ، أما قسطنطين الكبير (305_337م) وإعتناق المسيحية وجعلها دين الدولة فيقع (602_633م) وكذلك تاريخ المجمع الكنسي الأول في نيقيا 325م ـ622م يساوي تاريخ الهجرة . أما إنهيار الإمبراطورية الرومانية 476م فيعادل 773م أيضا لودفيك الأول Chldwig(481_511م ) مؤسس فرنسا فيرحل إلى عام ( 762_809م )والفترة بين عام 614م ( إحتلال الفرس للقدس، ونهب الصليب) هو بداية السنوات الشبحية التي تمتد حتى 911م
تاريخ العالم العربي الفارسي البيزنطي:
الأمبراطور دقليديان وحقبة الشهداء (285_305م)(581_602م بعد إضافة الزمن الشبحي) كذلك الإمبراطور البيزنطي جستنيان (483_ 565م ) (779_861م)والملك الفارسي خسرو الأول أنوشروان( 531_579م) (828_876م)الملك الفارسي خسرو الثاني ( 591ـ628م) (887ـ 925م)
وفي المخطط نلحظ بداية زمن إسلامي شبحي أول مدته 78 سنة ( بين583وبداية الدولة الأموية عام 661م ) وقد خلص نيميتس إلى هذه النتيجة، إستنادا إلى كتاب مانفرد تسيلر [M. Zeller[8 عن الدولة الأموية ووكتابه الآخر: الإسلام المبكر في إيران وفيهما استنتج أن الدولة الأموية والفارسية تعايشتا معا (وقد توصل إلى تلك النتائج من خلال دراسته للمسكوكات والقصور الأموية، التي تنتمي إلى تلك الفترة، وأشار إلى أن تاريخ الدولة الأموية يجب أن يقترب من عصر الأنتيكا ب78 سنة مقارنة بالتواريخ الرسمية؟؟!!) ، لذالك نقرأ على الخط البياني أن الفترة بين ( 565مـ750م ) أو ( 861ـ969م بعد إضافة السنوات الشبحية) هي حقبة الأمويين والفرس( خسرو) معا..وقد أعقب نهاية الدولة الأموية عام 750م بداية لزمن شبحي آخر مدته 218 سنة يصلنا بعام 969م، و بداية السيطرة التركمانية على الدولة العباسية، هذا معناه أن فضيلة العلامة (هانس بن أولريخ بن نيميتس) أفتى لنا بعد أن ( توكل على الله ) بشطب صدر الدولة العباسية، والإكتفاء بعجزها.
1 Isaac Newton: The Chronology of Ancient Kingdoms Amended, 1728 (posthum)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق