
كتبت هذا النص ردا على مقالة أ.د كارم غنيم أستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر أمين جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة ) المعنوّنة: الإسراء والمعراج من منظور علمي[1]ونظرا لحساسية الموضوع ومساسه تصوّرات عقائدية لملايين البشر، ألزمت نفسي بالجدية ومنع الفلتان اللساني، ولو كان الأمر يتعلق ببحث ديانة الإله مردوخ البابلي أو رؤيا يوحنا الإنجيلية أو معجزات الرب التوارتي لأختلف الأمر. لكن واحسرتاه علي أن أتجشم عناء هذا النص وأتقيئ مرارته بكآبة لاتطاق.وتمهيدا لخلق جو كافكوي قاتم، تصوّرت أني نمت ليلة أمس وسط حاوية قمامة، مليئة بالجوارب النتنة وحفاظات بامبرز البلاستيكة (مستعملة بطاقة إنتاجية قصوى) وبهذه الطريقة أصبحت مهيئا نفسيا لهذا الجدل، وأضيف إلى ما سلف صورة وجوه سيّافي المملكة السعيدة التي لاتفارق مخيّلتي
2ـ لم يفسر لنا أمر وجود "المسجد الأقصى" قبل الفتوحات الإسلامية؟؟ إلا إذا كان المقصود به " الهيكل الثاني" لسليمان الذي دمره الرومان نهائيا إعتبارا من عام 70م ومسحوه من وجه البسيطة؟ أم أن قصة الإسراء حدثت بعد الفتوحات وعقب بناء المسجد الأقصى في عهد عبدالملك إبن مروان؟؟ وهذا كلام هرطقي خطيرعلى الكاتب أن يبحثه ويفنده بأدوات المنهج العقلي التاريخي كونه يتحدث من منظور علمي (حفظه الله وزينه بنعمة العلم)
3ـ أما عن الإقتران اللساني بين براق وبرق!! ألا يحق للناس أن تتساءل عن دور جبريل، الذي ورد في القصة كسائس يقود البراق، فهل يحتاج البرق ( الضوء) إلى سائس؟ أوليس من باب الإحتياط العلمي التنبه إلى هذه المسألة؟
4ـ أما طلب النجدة من قصص ومعجزات أخرى كتحوّل عصى موسى إلى أفعى، أوعبور موسى الإعجازي وشقه للبحر الأحمر، وقصص عفاريت وجن سليمان التي جلبت عرش بلقيس من سبأ إلى منصة الإحتفال السليماني في الشام( بسرعة الضوء) للبرهان على قصة الإسراء والمعراج، فكل هذا لاعلاقة له بالمنظور العلمي الذي يدعيه الكاتب، لأن مجرد ذكر هذه القصص لطفل نرويجي أو سويدي سيجعله يتذكر أفلام كارتون مشوّقة؟ وهذه البراهين الدلالية التي يسوقها أ.د غنيم، أمور يخجل الباحث اللاهوتي ( اليهودي والمسيحي) المعاصر من ذكرها وتداولها في بحث علمي لائق؟.
5ـ أما زج سورة النجم كدليل علمي على المعراج، فهذا تأويل تيولوجي ضمن نسق تاريخي ودوغمائي لساني عربي لاشأن له بالمنطق العلمي.وبعيدا عن الهذر والإسراف، يمكن رؤية النص من حيث الشكل كمخادعة متذاكية، بعيدة عن العلم، فهو يخلط بين منظومة الغيب والعقائد الإيمانية، وبين العلم الذي يقوم على المنهج العقلي الفلسفي البرهاني، والذي لايميز بين عقيدة أ.د غنيم الحنيفة وبين عقيدة أي بابلي يؤمن ببعث الإله تموز. وهو يثير ضمنيا قصة إحتجاج إسلامي صامت على عدم إعتراف الآخرين( الإسحاقيين) به وعقدة مظلومية تاريخية، بإعتبار الإسلام إبن الجارية المصرية هاجر (المنبوذة مع ولدها إسماعيل)، وقصة الدين الذي وُلد غريبا. فما يرويه الدكتور أمر إيماني( شخصيا لايهمنى إن حدث الإسراء والمعراج بالمنام أو بغيره، أو لم يحدث بالمرة، إنما يعنيني هذا التعدي الصارخ والساذج على علوم الإنسان العقلية، وخلط حابلها بنابلها، وعلى هذه السطوة الوقحة والوصاية على عقل الناس والتعدي على قيم ومنجزات الحداثة)
أما تأكيده على أن المعجزة الكبرى هي القرآن، فيعكس مدى الرهاب والأرهاب العقلي الذي يمارسه سدنة المقدس الإسلامي منذ قرون، أي منذ أن إستطاعت الأرثودكسية الإسلامية جعل النص القرآني ماكسيما( غير مخلوقة) تقتسم الإعجاز مع الذات الكلية، ويكاد المراقب أن يلاحظ ظاهرة إسلامية فريدة في تاريخ الأديان. فالكتاب الإسلامي الوحيد الذي يتحدث عن إعجازالخالق وآيات خلقه هو القرآن نفسه؟ في حين تتحدث الكتب الإسلامية بمجملها منذ الباقلاني حتى اليوم عن إعجاز هذا الكتاب، وليس عن إعجاز الله وهذا أمر غريب ومحيّرحقا إذ يكتفي الدعاة بالمقولة (القرضاوية الراقية): البعرة تدلُّ على البعير، والخلق على الخالق؟؟ وكأنهم غير معنيين أصلا بالجدل الميتافيزيقي من حيث المبدأ؟إن هذا السلوك الأرثودكسي الإسلامي الذي يستقتل في تنزيه النص، يفعل ذلك وكأنه(يشمّ رائحة منكرة من إبطه!!) ويشي من حيث لا يدري بإتهام ضمني للنص؟ فعندما يكون الكتاب إلهيا، فما جدوى أن يتطوّع الإنسان لإثبات إعجازه؟؟إن تلك الدراسات تهدف أيضا إلى مصادرة قدرة البشر على التأمل الحر، ووتحاول تبرير العجز العلمي والمعرفي، وتعويض الفحولة التاريخية المسلوبة. والإيهام بأن علوم وتقنيات وجهود آلاف من بني البشر، (الذين إستطاعوا رفع طائرة "اير باص" ، في السماء. بينما يعجز ذوو اللحى عن إطلاق عصفور). عمل لاقيمة لها وكل ما أبدعه الإنسان تافه، ولا يساوي ما أنجزه عفريت سليمان( الأسطوري) الذي جلب عرش بلقيس بلمح البصر
أخيرا وبعد كل هذا القرف، أشير إلى أن الجناس اللفظي بين "براق" و"برق" يدفعني بثقة إلى إقتراح جناس لفظي آخر، يربط بين" إعجاز " و" أعجاز" نخل خاوية. وما الخواء إلا نعمة للجاهلين، يا أمة قهقهت من جهلها الأمم.الهوامش :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق