المؤامرة والضحك على الذقون
الكذب والتضليل والدعاية، ليس من إختراع الحاضر، فشواهده تصل إلى رمسيس الثاني الذي ترك نصبا هائلا يمجد إنتصاره على الحثيين في موقعة قادش الشهيرة( قرن13 ق.م)، ولولا عثور المؤرخين على مصادر أخرى تؤكد فشله وإضطراره لتوقيع معاهدة صلح ( نجم عنها زواج البلاط المصري من إحدى الأميرات الحثيات ) لولا ذلك لانطلت علينا اللعبة، فكل من يتعامل مع الماضي، يدرك الصعوبات الجمة لمطابقة مدوّنات التاريخ، مع ما ترك من نصب وآثار ودلالات حسية، فالتضليل صفة ملازمة لحضارة الإنسان، ولا يقتصر على توني بلير( الذي إستعان بأطروحة دكتوراة قديمة ، لتأكيد أسلحة الدمار الشامل العراقية، ولا ببعض العلاكين، بل تصلنا بجوهر النشاط الإعلامي، والدعائي بما فيه من إرتزاق ثقافي، ودعارة كتابية.)
بُعيد إعدام الرئيس صدام حسين، دبجت رسالة مفتوحة للسيد حسن نصرالله، سجلت فيها إنطباعاتي عن هذا الحدث، وإعتبرته عملا جهنميا، حيكت خيوطه بمهارة (لايتقنها صانعو السجاد الإيراني)، فأمريكا غسلت يدها من القضية كما فعل بيلاطس، وحملّت وزرها للشيعة( الذين ظهروا بغباء يرقصون حول جثة القتيل، وكأنهم ينتقمون لسقيفة بني ساعدة )كلنا يتذكر حينها أن تنفيذ الحكم في عيد الأضحى، كان العقدة الدرامية(1)، لتأبيد هذه اللحظة في الذاكرة الجمعية العربية( السنية خصوصا )؟واليوم وبعد مرور الزمن أزعم بأن الحادثة كانت أيضا تنفيسا عن روح مختبئة وراء ركام الميثولوجيا وطقوس القرابين ( الأضحى والفصح معا ) ولو قيّض لإسرائيل أن تظفر بالسيد نصرالله نفسه لأتت به مكبل اليدين ؟؟ وإقتادته إلى منصة الإعدام يوم العاشر من محرم؟؟ ( يا للصدفة فهذا اليوم مناسبة يهودية أيضا!!) ولن يفوتها أن تحضر مفتيا سنيا يصرخ ( يا لثارات صدام ) ليصبح هذا الحدث( الإفتراضي ) جزء من تاريخ الإنتقام السني الشيعي؟؟ ( شخصيا لا أتمنى أن أعيش يوما كهذا ، بسبب لوثة يسارية قديمة، وتعاطف مع حركة محرومي جبل عامل) ومن يدري، فالأمور تبدأ بأحلام صغيرة (إسرائيل ذاتها كانت حلما قبل وعد بلفور، وإسرائيل التوراتية لم تكن موجودة إلا في المعنى الديني فقط: فلا إله بدون أرض، لذا توجب على يهوى أن يحتل موطنا(2) حتى الثقافة (الإنجيلية) الأمريكية تعكس فكرة أرض الميعاد، وهي أساس ( الأمركيان دريم)قد يقول البعض إنها نظرية مؤامرة ؟ لا أبدا، فنظرية المؤامرة هي مؤامرة بذاتها، وعنصر قوتها يقوم على فرضيات غير قابلة للنفي أو الإثبات، فلا غرابة أن يؤمن بها كثيرمن العقلانيين والبراغماتين وأصحاب الرأي.
ما يشاع من أقاويل عن قوى ظلامية تمسك خيوط لعبة الأمم. هو كلام واه وما يُحكى عن قدرات أسطورية للوبيات يهودية وقدرتها على التحكم بمصائر العالمين، ووول ستريت والبنتاغون والبيت الأبيض هو كلام مزيّف، صحيح أن السياسة يديرها أشخاص نافذون، والطبقة المسيطرة هي التي تتقلد مواقع السلطة والقرار .. لكن الرأسمالية ليست مؤامرة صنعها اليهود، إنما تحوّل تاريخي للمجتمعات، قام على أنقاض الإقطاع، والرأسمالية ليست جمعية، إنما صراع بين الطبقات وداخل الطبقات وبين النخب المسيطرة، حتى أن الدكتاتور نفسه، هو غطاء لقدر مضغوط.والحقيقة أن الذين غمزوا، أو همسوا بضلوع المخابرات ( سي أي إي ) بأحداث 11 سبتمبر، أو بمعرفة جورج بوش المسبقة لحادث إسقاط الأبراج، يتجاهلون أن إستراتيجية الحرب الأمريكية على العراق كانت قرارا مسبقا ( إتخذته إدارة كلينتون) وكانت تبحث عن ذريعة، لكنها لم تكن بحاجة لإسقاط أبراج منهاتن، إذ تكفي ضرطة واحدة من صدام(3)، لتصبح دليلا على إمتلاكه أسلحة كيميائية وبيولوجية فالرأسمالية تحكمها قوانين ودينامية ذاتية، وليس لوبيات قابعة في دهاليز العالم السري. والحرب على العراق جاءت متناغمة مع تلك القوانين الداخلية لرأس المال، التي أجبرت أمريكا على إستخدام قوتها المتعجرفة، كي تضمن توزيعا جديدا للأسواق والموارد الأولية.
إذن لا وجود لمؤامرة حقيقية، بل هناك تضليل وكذب تفرضه آلية وصيرورة الحدث التاريخي والآن وبعد مضي ست سنوات على الحرب الأمريكية ( الحقيقية) على العدو الإسلامي( الوهمي) أجد أن الرأسمالية تتجه جديا لإفراغ حمولة أزماتها في الشرق الأوسط، مرة ثانية، وكل مايشاع عن مباحثات سورية أسرائيلية ( أو تناغم إيراني أمريكي في العراق، أو لبنان ) هو تضليل وتلاعب بوقت المباراة. إذ لامنفذ حقيقي للرأسمالية بدون إعادة توزيع ( السوق والثروة والموارد) ويبدو أن أشتعال أسعار الوقود والغذاء، وتهافت الدولار وسوق العقار ومؤشرات البورصة تنتظر ضرطة إيرانية ما، كي تطلق العنان للصواريخ البعيدة المدى. فالرأسمالية ورثت إحتكار الكنيسة للجسد المسيحي وتوزيع القربان المقدس ( أو حجبه ) بإعتباره وعدا للخلاص والأبدية، لكنها قامت بإستبدال مضمون تلك الفكرة وتوزيع جسد الطبيعة ونهبها( أو حجبها ) كطريق وحيد إلى جنة الرفاهية والإستهلاك والنمو الإقتصادي
هوامش
1 إمعانا في إذلال الشعب الصربي فقد تم تسليم ملوتشوفيتش إلى لاهاي ، في ذكرى معركة أمسفلد بين العثمانيين والصرب، والذي تحتفل به صربيا كعيد قومي
2إقتباس من العالم التوراتي Delizsch
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق