سألني، إن كنت أعرف الكاتب والقانوني العراقي عبد الحسين شعبان ..أضاف : لقد شاهدته في حوار متلفز..وهو يجهش بالبكاء ودموعه تسيل على وجنتيه، حزنا وألما على العراق..أخبرته بأني أعرفه من وسائل الإعلام...وتذكرت أني رميت كتابه (القانون العراقي) جانبا ولم أقرأه!! فما قيمة كتب القانون، في زمن تعبث فيه شريعة الغاب الإمبريالي وشريعة التصحر الديني.
الرجل الذي اتصل بي، هو يهودي اشكينازي، من (عشيرة) ليبرمان، توطدت معرفتي به، منذ زمن، وأصبحت من مقلديّ سماحته..وتجنبا للوقوع في المحظور، وخشية أن ترفق هذه المقالة في إضبارتي، وكي لا أذهب إلى ( بيت خالتي ) أقسم بأغلظ الأيمان، أن الرجل يساري ماركسي، قضى عمره يقارع الإمبريالية ( عندما كانت نمرا ورق ) وبعد أن أصبحت دولة السوفيت ورقا في أرشيف روسيا..استمر صاحبي في المقارعة والنضال على طريقته، فإرتدى اليشماخ الفلسطيني والحذاء ( حتى في نومه، ليكون جاهزا لأية مظاهرة أو اعتصام)، وللتأكيد فإنه لم يتوان، حتى عن إحراق دواليب السيارات، والعلم الإسرائيلي والهتاف بحياة عبدالله أوجلان، أو رفع قبضته ( كما يفعل مصلو جامعة طهران ) والصراخ بموت أمريكا ( الشيطان الأكبر).. ولعلي بهذه المقدمة أشفع لنفسي وأطمئن كلّ من في قلبه زيغ، وأتقي نائبات الدهر وغضب الفرع 235 ويوم ( لاينفع مال ولا بنون)!! وأطمئن السيد عمرو موسى، بأني لم أشرخ الأمن القومي العربي..فكل ما سربته لليهود من أسرار لايتعدى، ثرثرة بريئة، عن صناعة الفلافل والحمص بطحينة، والفول ..إلا إذا كانت الجامعة العربية تخطط لإستخدام الغازات الناتجة عن هضمها، في أسلحة الدمار الشامل المستقبلية.عودة إلى صديقي اليهودي، الذي لم يكتف بإرتداء اليشماخ والجلابية ..بل ارتدى قضايا العرب، وتحزم بمصائبهم، وعشق تراثهم، وزار مدنهم، وتعلم لغتهم، واستمتع بأكل كبتهم وتبولتهم، وكسكسهم وفسنجونهم، وتيّم بآثارهم ومعابدهم (وفسي فسائهم)...والأدهى أنه أصبح يتابع مسلسلاتهم التلفزية، ويلتقط الحوارات الدائرة، ويعرف فيصل القاسم، والمفكر الإستراتيجي سمير عبيد!!
قبل مدة التقيته في بيتي، ودار بيننا حوار طويل ..كان محبطا، بلا رأي، (على غير عادته) كأنه يعاني من ترهل فكري وبلادة، وانسداد في المسالك الرؤيوية..وعندما أخبرته بانطباعاتي، أجاب: معك حق..ربما بسبب إدماني على المحطات التلفزية العربية، وهروبي من عالم الكتب والثقافة الجديّة..تخيّل ..أجلس لساعات أتنقل بين المحطات ..أسمع الظواهري على الجزيرة، ثم أنتقل إلى قناة الزوراء وأشاهد صيد الهمرات وصواريخ الجبوري البدائية ، ثم استريح بعدها على ربوة المستقلة للهاشمي فأرى، نموذجا لإعلام ديمقراطي وهابي طبيعي (بيو)، خالي من الإضافات الكيميائية (ومن المذيعين)..وعندما يدخلني الملل أذهب إلى قناة أهل البيت، فأتابع ندبا على الحسين باللغة الباكستانية، وبما أني لا أفهم اللغة، أكتفي برؤية هزات رأس الداعية، وسماع العويل أو كلمات من قبيل: كربلاء..عجل الله فرجه..أبو الفضل العباس.(وآل بيته الأتهار) وعندما يطفح الكيل، أغلق التلفزيون، وأبحر فوق أمواج الإنترنت، وأفتح بريدي الإلكتروني، وأهزّ بدني برسائل طالب الرماحي ومركز العراق الجديد لدراسات (الكراهية المذهبية)!!
هؤلاء ليسوا من الليبرالية بشيئ، هم حفنة لاتملأ حافلة لنقل الركاب؟؟ حفنة تتباهى بفضائل أمريكا، فينطبق عليها وصف أبي حيّان التوحيدي القائل: من يتباهى بفضائل غيّره، كخصيّ يتباهى بطول أيّر مولاه ..ختاما أقول: كم فرحت لدموعك يا عبدالحسين شعبان ..فقد ذكّرتني بشاعر المهجر إلياس فرحات الذي كتب:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق