ويعتري النفس إنكار ومعرفة ـــــــــــــــــــــ وكل معنى له نفيّ وإيجاب
أبو العلاء المعري
إن دهشتي بهذا البيت المتوقد حكمة، أعادتني ثانية إلى نص (حوارية السيّد والعبد )، وكاتبها البابلي المجهول، الذي استطاع أن يترك بين ركام الكتابة، درة أدبية نفيسة، صقلها بلغة رشيقة متهكمة، لتعبرالأزمنة والقرون، دون أن تفقد بريقها ووهجها.ونسجا على منوال هذا الكاتب المجهول، سمحت لنفسي أن أتخيّل السيد والعبد وقد غادرا (باب إيل) ونفذا حدود الزمن ليعيشا بيننا( على باب الله) ويسخرا من خياراتنا الأخلاقية، وثنائياتنا العقيمة:
أيها الخادم إصغ إليّ
_ نعم سيّدي نعم.
..أريد أن أخدم وطني
_إفعل ذلك سيّدي، فخدمة الوطن، ترضي الإله، وتزكّي الروح، إفعل ذلك ، خذ بندقية أم كلثوم، وتوسل بالذاهبين إلى فلسطين كي يأخذوك معهم، ولا تنسى سيّدي أن تمسح البندقية بالزيت المقدّس، قبل أن ينخرها الصدأ، كما ينخر السوس الغلّة..
.لا أيها الخادم لن أخدم بلادي
_معك حق سيّدي..لاتذهب إلى فلسطين، فهؤلاء البلسيون أولاد أبالسة.. يتقاتلون على كل شيئ..إنهم فاشلون يبيعون كما السارق بدراهم قليلة، أو كما باع أجدادهم التلّة المطلة على البحر، للمارق أبيب، اتركهم سيدي ..غدا عندما يطردون اليهود، سيتقاتلون فيما بينهم على خواتم الموتى وساعاتهم
..أيها الخادم إصغ إليّ_ نعم سيّدي...أبتاع بمالي أسهما في الجزيرة
_ أفعل ذلك سيّدي، إنك كمن يبتاع منزلا في الجنّة، فالجزيرة صومعة للرهبان والنسّاك، وملاذ لعشاق الحقيقة والحكمة. ... لا، لن ابتاع أسهما فيها
_لاتفعل سيدي..فقد سمعت أنها جزيرة للقراصنة والمجذومين ..ومن يقرض ماله فيها، تسخطه الآلهة وينقرض نسله...أيها الخادم إصغ إليّ.
.سأصبح سنيّا_حسنا تفعل سيّدي، فلتكن سنيّا، وليكن رمحك مسنونا، فالسنة أهل العقيدة، وبناة الدار ..وهم من عبر الفيافي ، وكتب اسمه على بوابات العالم، انظر سيّدي، إلى أجدادهم الغر الميامين، الذين تركوا قرطبة الأندلس درة على تاج العالم الوسيط.
.لا لن أصبح سنيّا
_لا تصبح سنيّا سيّدي، فالسنّة ناصبة وعبيد للحاكم المستبد ..إنهم أحفاد السلاجقة والمماليك، ولاعقو صحون السلطان سليم العثماني قاتل أبيه وأخويّه ..اتركهم سيدي، فهم أصحاب فقه الخوازيق والغزوات.
أيها الخادم أصبح شيعيا
_ أجل سيّدي كن شيعيا ..فالشيعة هم أولاد عليّ ومظلوم كربلاء، والأقرب نسبا إلى روح الشريعة ..انصرهم سيّدي، فقد كانوا ضحايا لغزاة التاريخ المتجبرين، انظر حولك، فدماؤهم تصرخ على مدار القرون.. انصرهم ترضى عنك الآلهة وتبارك ثمارك وحقلك
لا أيها الخادم لن أكون شيعيّا
_كما تريد سيّدي ..فالشيعة أحفاد الأشتر قاتل عثمان وسليلو ابن العلقميّ يهوذا بغداد ..اتركهم سيّدي، إنهم باطنيون بكائيون يتربصون بالملك ..ولا تصدقهم، فلن يملؤوا الدنيا عدلا بل قملا
اسمع أيها الخادم سأصبح مسيحيا
_ افعل سيّدي ..فصاحب المسيحية هو الوحيد الذي عصى إله القبائل، وخرج عن ناموسه، ليغدو رمزا للمحبة والسلام ..افعل سيّدي
لا لن أكون مسيحيا
_ لاتفعل سيّدي ..فالمسيحية ظلام كعتمة العصور، والمغارات ..وهستيرية جماعية تنتظر القيامة ونهاية العالم ..اتركهم سيّدي، فصاحبهم يقول: انظروا طيور السماء، إنها لاتحصد ولا تزرع ولا تخزن في الأهراء، فأبوكم الذي في السماوات يرزقها ..هل تصدّق سيّدي!!عندما تنضب أموالك، تصبح شحاذا وتركلك أقدام المارة، أو مدينا تقلع عيونك كي لاترى دائنك، وإذا أتى الديّان ولم يجد ماله سيدق مسمارا في يدك، أو يبيعك في السوق.
.أيها الخادم سأصبح يهوديا
_ أحسنت سيّدي ..فاليهودية أم العقائد وسليلة الإله مردوخ ..انصرها سيّدي فاليهود يرثون الأرض والممالك..كن يهوديا ودعني أجلب لك الماء كي تغسل يديّك وقدميّك وتقدم قربانا للإله، الذي يستطيب رائحة الشواء.
لا لن أكون يهوديا أيها الخادم
_والله إنك حمار ياسيدي، فإن لم تكن كذلك فمن أين لك بلباسك ، وكيف ستملأ معدتك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق