كثير يتحدث عمّا حدث، قليل يتحدث عمّا كان يمكن أن يحدث (فيما لو)، فهذا النوع من الكلام يشبه الرجم بالغيب. إلا أنّ عالم الإستراتيجية يبيحه، فما حدث وانقضى ليس سوى خيار ارتأته الإرادة الفاعلة في لحظة تاريخية، وكان بإمكانها أن تختار غيره، وبمجرّد معرفة قوانين الاحتمالات يمكن التنبّؤ بإمكانية الحدوث، تماما كالتنبّؤ بالأحوال الجوية.. بيد أنّ الأمر أشبه بمعادلة رياضية معقّدة، فالحدث التاريخي عموما يشقّ طريقا لصيرورة لاحقة ليست بالحسبان.. والتاريخ حسب إنجلز يعمل هكذا :
"تنبثق خلاصة التاريخ من صراع إرادات كثيرة، تلدها ظروف الحياة. إرادات عديدة متقاطعة ومتوازية (…) تؤدّي لتلك الخلاصة، وبالمجمل يمكن النظر إليها كمحصّلة لسلطة فاعلة عمياء (حرفيا Bewusstlos und Willenlos بدون وعي وإرادة) فما يريده أحدهم يعرقله آخر .. والحصيلة هي شيء ما، لم يكن كلاهما يرغب به"(1)
من يتمعّن في كلام إنجلز، ويغضّ الطرف عن تعارضه مع الحتمية التاريخية، يعثر على مقاربة ذكيّة تحاكي صيرورة التاريخ بمحصّلة القوى في عالم الفيزياء. ووصفها بالعمياء يرجع إلى صعوبة التنبؤ باتجاه تلك القوى منفردة وشدّتها، وعليه فإنّ العودة إلى نقطة التماسّ وافتراض صورة احتمالية أخرى (افتراض المحال ليس بمحال) لا يخرج عن المنطق الرياضي. هكذا نستطيع مثلا أن نسأل أنفسنا كيف كانت ستؤول الأمور، لو أنّ إدارة بوش الأب قد عقدت صفقة مع النظام العراقيّ السابق، وسكتت عن ضمّه للكويت عام 1990 وبالمرّة أغمضت عينيها عن مشروعه النووي الذي كان قد أينع وحان قطافه، أسوة بما فعلته مع الباكستان؟ إذا طرحنا هذا التصوّر سنجد أننا أمام خيار امتلك حينها شرعية ما، فسياق الأحداث ودور الملك الأردنيّ الراحل والظروف التي سادت فترة الحرب مع إيران، تدفع إلى عدم استبعاد صفقة من هذا القبيل. ووفق هذا المنطق يمكننا رسم صورة احتمالية لما كان ممكن الحدوث، صورة تدغدغ رغبات وأمنيات البعض، وتقضّ مضاجع البعض الآخر. ولكنّ السؤال لماذا يكون الكويت جزءا من العراق (وسوريا جزءا من لبنان)؟ لمَ لا نعود أدراجنا بالمشهد التاريخيّ إلى لحظة حاسمة كوّنت المشرق العربي بقضّه وقضيضه ودوله، تلك اللحظة التي وُلدت بعد انهيار الدولة العثمانية وهزيمة الرايخ الألماني عام 1918 وتقسيم التركة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا، والتي تبدو للناظر تدشينا لعصر آخر، ألغى معه الإمبراطوريات القديمة (النمساوية ـ الألمانية ـ العثمانية) وفتح الأفق أمام عصر الدولة الديمقراطية الحديثة (بيان ويلسون) ؟
بلا شك سنكون أمام لحظة محكومة بالتعسف والعشوائية.. لأن انهيار الإمبراطوريات القديمة لم يكن سوى مخاض لولادة إمبراطوريات أنكى وألعن. وانتصار ألمانيا (فيلهم الثاني) لم يكن أمرا مستحيلا بل خاضعا للعبة القدر، وكان ممكنا لهذه الدولة المعجزة (أقصد المعجزة الاقتصادية الألمانية بين توحّدها على يد بسمارك حوالي عام 1870 واندلاع الحرب عام 1914) أن تلحق الهزيمة بخصومها.. وهنا يلحّ علينا السؤال : ماذا لو أن ألمانيا انتصرت آنذاك، أو ماذا لو أنّ الدولة العثمانية التزمت جانب الحلفاء ولم تغرق في وهم المعجزة الألمانية؟
نظرة مشاكسة:
لعلّ كتابات الملل والنحل التي زخرت بها بلاد الشام إبان الحقبة العثمانية وقبلها، وما حملته من عناوين مستفزّة لعقائد الآخر، تشهد ضمنا على بحبوحة الحرية التي عاشتها الفرق الدينية، رغم ما أشيع عن الدولة السنيّة وولاتها وتزمّتهم، وتشهد أيضا بأن المشرق لم يعرف انقراض ملّة أو لسان، ولا ننسى أنّ نصف سكان إستانبول عاصمة الخلافة ولغاية ثلاثينات القرن العشرين، كانوا من الأقليات (الأرمنية، واليونان الأرثودوكس واليهود).
فالدولة العثمانية ـ وباستثناء صدامها المذهبي مع الصفويين، وهو في الحقيقة ليس أكثر وحشية من الصدام الكاثوليكي البروتستانتي المتزامن معه ـ كانت إمبراطورية متعدّدة الشعوب والديانات والألسن، ومحكومة بشرعية حكم السلالات التي عرفها العالم منذ روما وفارس القديمة، وتقوم في جوهرها على وجود عاصمة، تحتضن السلالة والأرثوذكسية ومراكز التدوين الكتابي، وجيشا ـ غالبا من الموالي والغرباء ـ وإدارة للجباية، وعلى محيط مترامي الأطراف يعيش حياته وأديانه وتقاليده كما يشتهي، فارثودوكسية الدولة لم تكن عائقا أمام حياة التعدد الإثني والديني في دولة ما قبل القومية،، وبالنظر للإطناب الإعلامي بموضوع الذمّة والجزية أجد من الضرورة المرور على هذا المفهوم الذي شاع حوله كثير من اللغط، وأقصد تطبيقات الجزيّة المذلّة بحق المسيحيين واليهود، والتي تعود مرجعيتها إلى آية قرآنية، وإلى ما سُمي بالعهدة العمرية.
في البداية أزعم بأن أية قراءة نزيهة للتراث الديني المبكّر، ستكشف أننا أمام فنتازيا وأدب ديني، يدور حول نص مؤسِّس غامض، ومضطرب أحيانا ويكاد يخلو من التاريخ والكرونولوجيا، هذا النص ولّد تراثا قصصيا متدحرجا ككرة الثلج (أسباب نزول، ناسخ ومنسوخ أحاديث..إلخ وفقه ولاهوت تبريري، يلعب على تلك التناقضات) ولعلّ قصة العهدة العمرية نموذج تاريخيّ لذلك، فقد وقف الفقهاء أمام صورتين متنافرتين الأولى تقول : "ولتجدنّ أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى" (مائدة 85) والثانية تقول: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهُم صاغرون" (التوبة: 29)
والمتابع لصيرورة العهدة العمرية بشروطها المذلّة والتحقيرية، سيجد أنّ حضورها اقتصر على الأدب الدينيّ المتأخّر بُعيد حروب الفرنجة أو زحف المغول في القرن 13م ( وردت في فتاوى الحنبلي إبن تيمية، وكتب تلميذه إبن القيم، وتفسير إبن كثير لسورة التوبة والمقريزي وغيرهم ، وجميع هؤلاء هم فقهاء ومؤرّخون متأخّرون) في حين لا ذكر لشروطها التحقيرية عند أكابر وأوائل المدوّنين القدماء (2)
وما لا تخطؤه العين أن تلك العهدة، هي عهد أمان (أسطوري) أبرم بإسم الخليفة عمر لسكّان القدس، ثمّ استثمرته لاحقا الكنائس والأديرة لتحصيل امتيازات من الحكام المسلمين. وما يؤكد ذلك وجود صيغ عديدة لهذه العهدة خالية من شروط الإذلال أهمّها خمسٌ في دير كاترين (أحدها عهد أمان، منحه محمّد شخصياً لرهبان الدير، عندما مرّ بهم أثناء رحلة الإسراء والمعراج؟ طبعاً لم ينس الرهبان ترك أثر لحافر البراق على أحد الصخور، تأكيدا لهذا العهد؟!) وآخر في البطريركية الأرثودوكسية في القدس، أرسله عمر بن الخطاب لبطريرك القدس صفرونيوس عام 637م. (وطبعا لم ينس عمر تعظيم البطريرك وإطلاق يده في أموال الجباية الخاصة بكنيسة القيامة) والشيّق هو تمسّك الدير الأرمني في القدس بعهدة عمرية أصلية، ممنوحة لمطران الأرمن!!
أمّا العهدة الأكثر غرابة فقد ذكرها كاتب الحوليات النسطوري، وفيها يقول إنّ البطريرك النسطوري يسوهياب الثاني رأى النبيّ محمّدا في منامه وأنعم عليه بعهدة مذيّلة بتوقيع عمر بن الخطاب شخصيا (3) ومع أنّ هذه القصة تعود لعالم الخيال؟ لكن علينا بدلالتها، فالزمن المقدّس لا صلة له بمنطق أيامنا.
والحقيقة على الأرض كانت تختلف جذريا، فسلطة السلالات والشرعية الدولية آنذاك لم تقم شأنا للفقهاء ولم تصغ لأقاويلهم، إلا بما يوافق هواها، والأرجح أنها كانت تكتريهم لحمل أسفار الأمبراطورية وخدمة سياستها، هذا ما نلحظه جديا منذ إصدار الفرمان العالي بالخط الهاميوني عام 1856، الذي يقرّ المساواة لجميع رعايا السلطنة، ويصرّح بإنشاء المجالس المليّة للطوائف كمرجعية لقوانين الأحوال الشخصية..إلخ وخير شاهد على أفول دور الفقهاء، هم اليهود أنفسهم، فرغم أن التراث الإسلامي يمطرهم بوابل الذمّ والتسفيه، إلا أنّهم نالوا دائما الحظوة عند السلالات الحاكمة؟ وليس آخرهم يهود الدولما في سالونيكي، الذين تربّعوا على قرار الدولة العثمانية أيام حكومة "الاتحاد والترقي" (وعلى تلّة خرابها)
وبشيءٍ من الكاريكاتورية، يمكن تلخيص الدولة العثمانية، بقصّة أحد ولاتها الذي سعى كما في مألوف عصره لبناء المساجد والتكايا، ممّا أغاظ والدته المسيحية، التي لم يرق لها مرأى المآذن؟ ودفعا لتأنيب الضمير وهواجس عقوق الوالدين، راح هذا الوالي يرسل لوالدته الأموال كي تبني كنائس في البلقان، مقابل ما يُشيده من مساجد في بلاد العربان (وإنشالله ماحد حوّش) هذه الصورة كانت حقيقة وتعبّر عن ذلك الزمن. وما أردته في هذه العجالة هو الزعم بأنّ الدولة العثمانية لم تكن تختلف عن مثيلاتها كإمبراطورية النمسا وروسيا، في قوانين الجباية والتجنيد وحقوق الأقليات..إلخ وما لحق بشعوبها وإثنياتها لم يختلف عما لحق بالشعوب الأخرى
وربما كان عام 1820 وبداية ازدهار الإرساليات التبشيرية في المشرق، هو بداية للتوتر الديني، وتدخّل الغرب بشؤون الطوائف المسيحية المشرقية، هذا ما تكشفه بعض الوثائق التي تتحدث عن تعايش سلمي بين الأكراد والآشوريين (النساطرة) في جبال الأناضول ـ بين بحيرة اورمية وفان والموصل ـ حيث تؤكد البعثات الغربية : "كان النساطرة يعيشون في هدوء ووئام مع جيرانهم الأكراد البسطاء" وكان من الصعوبة التمييز بينهم، ويضيف المصدر "عندما قام الأمير الكردي نور الله بزيارة إستانبول سنة 1840، فوّض البطريرك مار شمعون السابع عشر بالصلاحيات المدنية أثناء غيابه وأيضا برعاية أهل بيته"(4)
ولو تجاوزنا حياة الملل والنحل وتوقفنا عند الحقبة الأخيرة للدولة العثمانية فلا بدّ أن يسترعينا الإصلاح الكبير الذي بدأت معالمه بإنشاء سكك حديد عملاقة تربط مركز السلطنة بأطرافها، كالخطّ الحجازي وخطّ الشرق (باتجاه طهران) وتحديث التعليم، وإنعاش الحياة المدنية والدستورية. ولكم يُصاب المرء بالذهول وهو يرى بقايا سكك الترام التي تزامن إنشاؤها مع خطوط الترام في فيينا وميونخ.
وباختصار شديد يمكن القول إنّ دولة بني عثمان كانت صنيعة المدفع الذي أنتجته واستخدمته بكفاءة وحنكة منقطعة النظير، والمدفع عموما هو رمز لأوروبا ونهاية عصر الفروسية والقرون الوسطى وانتهاء صلاحية أسوار المدن، ومؤشّر على أن الدولة العثمانية استثمرت عصرها بكلّ عبقرية، ولم تعتش على الفتاوى (وجناح الذبابة) بل كانت دولة متحضّرة ومدنيّة بمقاييس زمنها، لا بل أكثر مدنية من بعض دولنا العربية المعاصرة. ولولا مراهنتها على الحصان الخاسر (ألمانيا) لاستمرّت تحكم شرقنا العربيّ (حتى يومنا) ولو كُتب لبحرية فيلهم الثاني أن تحسم معاركها مع الأسطول الإنكليزي، لكنّا ما نزال (على الأرجح) من رعايا الباب العالي. ولرأينا خليفة المسلمين وهو يرتدي بذلة "السموكن" في افتتاح حفلات الأوبرا، أو ملابس التزلّج في جبال الألب. وهذا خبر غير سارّ للكثيرين لكنه كان سيريحنا ممّا نراه من قرف (ومن مؤتمرات قمّة عربية). فما جرى منذ قدوم جيوش آلنبي واحتلالها للقدس، وإلى حدّ اليوم، كان عملية احتقار متواصل للعرب.
خاتمة:
أثناء مراجعة ما دُوّن أعلاه، تساءلت عن السبب اللاوعي لكتابة هذا النص.. وكيف لمن تربّى على هتافات القومية العربية، أن ينسى فجأة لواء إسكندرون وذكرى يوم الشهداء الذي نحتفل به سنويا في 6 مايو تخليدا لمن علّقهم جمال باشا السفّاح على أعواد المشانق في ميادين دمشق وحلب وبيروت عام 1916 وتساءلت ما هي الكتابة الموضوعية؟ ولم أجد إلا إجابة واحدة : الموضوعية هي خيانة الذات (بموضوعية) لعلّي كنت معجبا ب"أردوغان" وجسارته في مؤتمر دافوس الأخير، لكنّ هذا ليس مبررا كافيا. وبعد تأمّل تذكرت قصتين من دفاتر الماضي القابع في النسيان، الأولى تتعلّق بمدرسة ابتدائية جلست على مقاعدها، وهي من أقدم مدارس سوريا، ويقترن تأسيسها كما يُروى بمطران شامي، تجشّم العناء وسافر إلى إسطنبول وقابل السلطان للحصول على إذن رسمي بافتتاحها (أظنّ نهاية القرن19) والطريف أنّ الناس يصفون مقابلة المطران للسلطان بحذافيرها كما لو أنهم كانوا معه، وكيف دخل عليه وهو يرتدي ملابس الكهنوت الخاص بالقداس وخاطبه قائلا: جئت إلى مقامكم بملابسي التي أقابل بها الربّ؟! وأغلب الظنّ أنّ هذا المطران لم يسافر قطّ إلى إسطنبول ولم يحظ إلا بمقابلة الوالي في دمشق (وربما أحد سقاته) والناس كالعادة يتخيّلون ويُبدعون القصص. أما الذكرى الثانية فترتبط بمقابلة عابرة مع عجوز تركيّ رمقني بامتعاض وقال: عرب خاين
هوامش
ـ الأعمال الكاملة: إنجلز/ماركس، مجلد 37 ، ص 464
ـ ذكر اليعقوبي في تاريخه العهدة (جزء2 ص147)
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس إنكم آمنون على دمائكم
. وأموالكم وكنائسكم، لا تسكن ولا تخرب إلا أن تحدثوا حدثًا عامًا، وأشهد شهودًا
أما الطبري فيذكر العهدة (ج3، ص609) كمايلي:
بسم الله الرحيم الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين، أهل إيلياء من
الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم، وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر
ملتها أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم..إلخ
ـ تاريخ المسيحية الشرقية : عزيز سوريال ص. 330
551ـ نفس المصدر ص
Ruston, Louisiana
- أحمد نظير الأتاسي
21 أيار (مايو) 04:57
مقالتان في أسبوع واحد، أبَعد الغياب إفراط. عجّل بهم أستاذ نادر فنحن نحبهم كرغيف الخبز الطازج بتاع أيام زمان. مقالاتك سيدي تشبه ألحان عبد الوهاب لأم كلثوم: مقدمة موسيقية رائعة يعقبها طرب يهيج الأشجان. أتمنى أن تكون من عشاق (إنت عمري). يقول الأمريكان "ما هذا إلا رأس الجليدية" وما خفي تحت الماء أعظم. ولا أعني الجليدية التي أودت بسفينة التيتانيك إلى أعماق المحيط البارد. عندما فتحت تركيا أرشيفات الدولة العثمانية في ماض قريب (وأشهد أن الخدمة هناك ممتازة) بدأت الدراسات التاريخية العثمانية "الحقيقية" التي قزّمت ما جاء قبلها وبعثرته هباء. وإذا كان إنجلز قد قال ما نقلته عنه (ولا أشك في ذلك) وجب فعلاً أن نزيح ماركس ونعترف أن أنجلز هو الشغيل الحقيقي الذي سرق ماركس الأضواء منه. يوماً بعد يوم تذهلني عشوائية التاريخ ومدى لاجدوى دراسة التاريخ التي لا تقوم إلا ببعض الإيمان بحتمية ما، أو كما زعم آدم سميث "اليد الخفية". نعود إلى التاريخ المبسّط. ما كان يجري في أوروبا كانت الإمبراطورية العثمانية تماشيه مما يقذف بفكرة "التخلف عن الركب" في سلة الزبالة. لكن لا تزال هناك أسئلة عديدة؟ طبعاً انتصار ألمانيا والنمسا ومعهما عثمانيا العظمى في الحرب الأولى كان ممكناً لكنه لم يحصل. وهنا يحب المؤرخون أن يوهمونا بأنهم يعرفون السبب والعلّة. أولاً التحديث في الدولة العثمانية لم يتعد حدود المركز (العاصمة) وحدود النخبة المركزية. ثانياً، طال التحديث أجهزة الدولة لكنه لم يطل المجتمع فكان تحديثاً من فوق وليس من تحت. ثالثاً، تأخر إدخال المطبعة ثلاثة قرون. رابعاً، البيروقراطية الملكية في أوروبا نمت وتطورت باطراد طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر بينما بقيت البيروقراطية العثمانية مكانك راوح. خامساً، الحراك السياسي والثقافي الشعبي في عصر التنوير (كم أكره هذه الكلمة) في أوروبا كان أنشط منه في عثمانيا بمراحل. سادساً، الفلوس يا صديقي، الفلوس. العالم الجديد ومستعمراته أعطيا أوروبا إكسير الحياة لعدة قرون، ولا تزال أمريكا قادرة على النمو المطرد لقرن أو اثنين (ثروات لا تنضب). أما حديث الديمقراطية والدستورية والمواطنة والقومية والعلمانية وانحسار الدين وثورة العلم وتطورها في أوروبا التاسع عشر دون عثمانيا فموضوع جدل، دخيلك لا تقطع علينا لقمة العيش. تحية تقدير، موضوع مثير (اثنان إذا اعتبرنا المقدمة).
- . - نادر قريط
21 أيار (مايو) 12:13
الأستاذ نظير الأتاسي: يسعدني أن تكون ضيفا على هذا الموضوع المتواضع (للصدفة كلاهما من أصل لغوي واحد) وأن تكون معلقا أوانيا وأستاذا في الكتابة والتاريخ. لقد أشرت في الختام إلى مسألة الموضوعية ولم أنكر أن هذا النص هو علاج ذاتي من داء التربية الوطنية (العروبية) وما بثته من تشويه في علاقتنا مع تاريخنا، خصوصا برامج التعليم الدوغمائية التي ربطت تخلفنا بما سببته الدولة العثمانية ولولاها لكنا نطلق الآن مركبات الفضاء. لقد نسيت أن أذكر بأن لعبي وأنا طفل على سكة الخط الحجازي (أو أشلائه) كانت رافدا لاواعيا للكتابة فهذه السكة كانت المعلم الحضاري الوحيد في منطقتنا (بالإضافة لبيت جدي المبني بحجارة العصر البيزنطي) أنا معك بأسباب تخلف دولة آل عثمان ولن أضيف للأسباب التي ذكرتها (كي لا أزاحمك في الكار، فأنت أدرى بها) لكن ألفت نظرك إلى أن ألمانيا والنمسا لم تملك مستعمرات فيما وراء البحار كفرنسا وبريطانيا (إلا نادرا) فقد نمت بقوتها الذاتية . وبرأيي المتواضع فإن معادلة الصعود الأوروبي قامت على أسباب عديدة كما تفضلت في مقارنتك لكنها في الجوهر إرتكزت على ثلاثية (العقل والحديد والفحم) وهذا ما نقص الدولة العثمانية وطردها من المضمار ..مع أحر التحية
- Ruston, Louisiana - أحمد نظير الأتاسي
21 أيار (مايو) 18:40
تحة أستاذ نادر. لم أقصد أنك تزاحم المؤرخين في الكار بل لا بد أن تفعل لأنك تملك حساً نقدياً يفقده كثيرون من المؤرخين. ما عنيت في نهاية تعليقي أن المؤرخون يمضون أوقاتهم في الجدل حول أيديولوجيات القرن التاسع عشر وأثرها في تطور أوروبا وتخلف الشرق (كلمات كريهة أخرى)، وأنت تركز محقاً على العقل والفحم والحديد ولذلك قلت لا تأخذ منا "الزعبرة" في أمور الأيديولوجيات فهي لقمة عيش المؤرخين. وأطروحتي كانت عن العصر العباسي وهذا يعني أني وأنت على نفس المستوى في معرفة العصر العثماني. وبما أنك ذكرت أن استنبول كانت على درجة معقولة من امتلاك مظاهر الحداثة فإن أريد أن أطرح السؤال التالي: ألم يكن جدال الحداثة في سوريا على الأقل بين نخبة الهامش ونخبة المركز؟ هذا ما لاحظته في كتابات أحمد فارس الشدياق. فيجب إذاً أن نعيد النظر في نظرية "الصدمة النابوليونية" وأن نعيد النظر في نظرية "الرد الإسلامي على الغرب" فما كان هذا إلا رداً على النخب العثمانية المركزية (المتغربة) من قبل العنصر المحال إلى الهامش أي رجال الدين الذين كانوا يملؤون البيروقراطية العثمانية.
prague - fadi chawa
21 أيار (مايو) 21:51
اعتقد ان الدولة العثمانية (وخوازيقها) تتحمل الجزء الاكبر من حالة التردي الفكري التي نعيشها لقد ارهقت كاهل المجتمعات بالضرائب والحروب العشوائية ناهيك عن بدايتها الثيوقراطية ونهايتها الشوفينية على كل حال شكرا للكاتب المبدع (وكل بدعة ضلالة) نادر قريط و شكرا للدكتور الاتاسي
- ستوكهولم - سفيان الخزرجي
22 أيار (مايو) 03:06
لقد بدأت أخشى على نفسي من قراءة كتابات الاستاذ نادر قريط الانيقة، فهو يتسلل الى روحي برشاقة، وقد يقودني الانبهار بلغته والكم الهائل من المعلومات على الاعتقاد بصحة مأربه، وهذا لعمري اقتناص فذ للب القاريء. ولولا يقظتني من هذا القناص البارع لوفعت في شراك فخه عن الحلم العثماني. وكما قال المعلق الاول اتمنى ان لا تطيل الغياب عنا.
Ruston, Louisiana - أحمد نظير الأتاسي
22 أيار (مايو) 12:06
تحية أريد أن أنوه إلى خطأ مطبعي: الكتابة الصحيحة هي "يهود الدونما" وليس "يهود الدولما" كما ورد في المقال. فالدونما معناه المتحول إلى دين جديد والدولما معناها المحشي (خاصة ورق العنب اللذيذ). أستاذ فادي، "خوازيق الدولة العثمانية" ليست إلا من صنع حزب الإتحاد والترقي الذي استولى على الحكم في انقلاب 1909 وكذلك من صنع القومية العربية التي أرادت تبرير انفصالها عن الإمبراطورية لشعب لم ير لذلك مبرراً. لست من الذين يحنون إلى أي عصر ذهبي أو مملكة. لكن العثمانيين على علاتهم عاملوا مواطنيهم كما عاملت كل الدول مواطنيها في ذلك الوقت (أي بتعال وقسوه في جمع الضرائب والإجبار على الخدمة العسكرية) وأنوه أن أكثر الدول الأوروبية حينها كانت ملكية. وأعتقد أن سكان سوريا كانوا سيكونون في صف العثمانيين في الحرب لولا سياسات الإتحاد والترقي الجائرة. وعدد السكان الذي فرحوا بزوال العثمانيين كان ضئيلاً. خذ مدينة حلب كمثال، لقد تحطمت تجارتها بانفصال سوريا عن الإمبراطورية وأصبحت مدينة تابعة لدمشق علماً بأن التجارة العالمية تركزت في حلب ولم تكن دمشق إلا سوقاً للمناطق الداخلية. أما معلوماتنا عن العثمانيين وتاريخهم فتلقيناه من القوميين الذين ما عادوا الإمبراطورية إلا في أعوام الحرب ولم يكن همهم قبلها إلا الحصول على تمثيل في البرلمان العثماني ومتابعة التعليم بالعربية. أما الحلم العثماني فهو وهم ولا يدعو إليه إلا الإسلاميون من باب أن العثمانيين كانوا آخر الخلفاء ولا أعرف كيف أصبح هؤلاء خلفاء اللهم إلا السلطان عبد الحميد الثاني بتأثير من مستشاره السوري أبو الهدى الصيادي (الذي كان يشبّه براسبوتين). ثم جاء منتفع في العشرينيات ليؤسس جماعة الإخوان المسلمين لإعادة الخلافة التي أنهاها أتاتورك (والحقيقة انتهت الخلافة بهجوم المغول). ولا أعتقد أن الأستاذ نادر يدعو إلى حلم عثماني. وعلى فكرة الأتراك أنفسهم ونحن معهم نجهل التاريخ العثماني لأننا تلقيناه من القوميين الأتراك أو من القوميين العرب. وأعتقد أن خط الحجاز كان فكرة ألمانية وأنشئ بامتياز منح لأمانيا وهو متابعة لخط برلين أنقرة (معلوماتي غائمة هنا، هل من مصحح؟).ما أدعوا إليه هو إعادة النظر في التاريخ العثماني لأهميته حتى في تكوين اللغة العربية الحديثة (وخاصة لغة الدوائر الرسمية) وفي نشوء الإسلام السياسي وحتى مفهومي الحداثة و القومية. ولست من المرحبين بزعامة أوردوغان للمنطقة دبلوماسياً التي أكد لي أصدقاء أتراك أنها امتداد لأحلام عثمانية. فالقومية التركية لا تزال قائمة على كره العرب وإلصاق مسؤولية التخلف بهم تماماً كما هي القومية الإيرانية اليوم.
- . - نادر قريط
22 أيار (مايو) 15:07
أشكر الأستاذ الأتاسي فقد خفف عني الأعباء، وإنتشل هذا الموضوع الغريب من غرابته، لكونه قرأ المجاز ولم يكتف بحرفية النص. لقد كنت ولزمن قريب أومن بما ذهب إليه الأستاذ فادي من كون الدولة العثمانية تيوقراطية البداية شوفينية النهاية .. لكن وبعد مائة عام على خلاص المشرق العربي من براثنها ..أجد أننا كعرب فشلنا في بناء الدولة الحديثة لا بل أصبحنا كاليتم ( أو الملطشة) يتناوله المارة بالسخرية.. أليس هذا كافيا لإعادة قراءة خطابنا؟ وبعجالة أود التوقف عن النقاط التالية التي أثارها الأستاذ الأتاسي: ـ من يعيد قراءة السجال بين مثقفي الشام (الأطراف) مع (المركز) سيجد أن معظمها حوار داخلي بين تنويرين عرب (معظمهم من مسيحيي الكلية اليسوعية الذين وجدوا في فكرة القومية العربية ضمانا يحميهم من طغيان فكرة الجامعة الإسلامية لعبدالحميد) وبين تيار ذي توجه طوراني دفع لإعلان الدستور( النابليوني) وإحلاله مكان الشريعة نهاية القرن19 ..ومع أن هذا الإجراء كان تجميليا لا معنى له في العمق إ لا أن الخلاصة تشير بأن منابع السجال المدني التحديثي كان داخليا محضا، تمت عولمته بسبب هجرة المثقفين الشوام إلى مصر (خصم العثمانيين) ـ وهنا أعرج على صدقية مقولة "المركز" و"الأطراف" فأراها ضبابية بعض الشيئ ..لأن قراءة عميقة تثبت أن النخب العثمانية أدمجت الشام في المركز (وأسمته شام شريف)، فمدن دمشق وحلب وطرابلس لم تكن أقل أهمية من أنقرة وقونيا، حتى أصبحت ولاية سورية مركز قيادة لأحد أهم رجال "التريو الحاكم" ومن خلفهم في تأسيس الدول الوطنية (نوري السعيد ، فوزي القاوقجي… إلخ) وأيضا فإن إطلالة على تركيبة مجلس المبعوثين (بالإضافة لراسبوتين أدلب) وقضايا أخرى من قبيل رفض السلطان عبدالحميد منح وطن قومي لليهود (وإرتباطها بصداقته الحميمة للشوام) كل ذلك يُضعف برأيي مقولة المركز والأطراف ـ صحيح أن الخط الحجازي كان ضمن الأهداف الأمبريالية لألمانيا الناشئة ، لكنه في الجوهر كان إلتقاء مصالح بين الدولتين لأن تمويله كان جعبة السلطان (أظن خمسة ملايين ليرة ذهبية.. واعتذر إن سهوت لأني أنقل من الذاكرة) ـ في الحقيقة كنت أعرف مصطلح "الدونما" وحبذت عليه "الدولما" (أو المحشي) لإعتقادي أن اليهود (السفارديم) الذين إستضافهم السلطان بعد هروبهم من إسبانيا، قبلوا ضمنيا شروط الضيافة، التي تسمح لهم بيهودية باطنية، وإسلام ظاهري ..فأصبحوا كملفوف ورق العنب (على فكرة الدولما باليونانية هي دولمادوس) وللأسف سأكتفي لأن القضية لن تشبع بتعليق ..ولا بكتاب. الشكر الجزيل للأستاذ الأتاسي والأستاذ فادي وتحية للأستاذ الكاتب سفيان الخزرجي على ثقته وأطمئنه بأن الحلم العثماني قد ذرته الرياح منذ زمن .. وكل ما فعله العرب أنهم ألقوا ماءهم القذر، لكنهم ظلوا للأسف عطشى بدون ماء. مع التحية
- ستوكهولم - سفيان الخزرجي
22 أيار (مايو) 18:24
اني لأشعر بحزن شديد لما آل اليه مصيري، وقد صُدمت بمأساتي اول مرة حين قدمني الصديق الشاعر فرج بيرقدار (هذا ايضا مثل ابن وطنه نادر قريط بحمل اسم بيروقراطي) اقول حين قدمني الى مجموعة من اصدقائه قائلا: الكاتب سفيان الخزرجي. كتمت حنقي عليه واكتفيت بابتسامة صفراء بينما كان اصدقاؤه يهزون كفي بحرارة مصدقين ما قاله. لقد قضيت اكثير من عشرين عاما في مجال تصوير البورتريه وكنت بين اكثر مصوري البورتريه حرفية في اسكندنافيا وفي العالم العربي ومع ذلك فقد قدمني بييرقدار ككاتب علما انني لم اكتب غير بضع مواضيع ساخرة، وقد كتبتها لتسلية نفسي ومشاكسة الآخرين. وها ان الصديق والكاتب الحقيقي نادر قريط يكتب: الكاتب سفيان الخزرجي. فيا لضياع جهدي الجاد لعشرين سنة. اووووه، الان فقط اكتشفت اللغز، كم انا مغفل، ان اصدقائي يريدون ان يرفعوا من شأني فيمنحوني لقب كاتب وهو حتما اكثر ثقلا واحتراما من لقب مصور خاصة وان لمصوري بلداننا سمعة (طيبة) في (تصوير) الغانيات في ستوديوهاتهم. ولماذا كل هذا الجهد الضائع في التصوير فسأصرف بعض وقتي للكتابة المسلية حفاظا على ماء وجهي.
- . - نادر قريط
22 أيار (مايو) 19:18
الصديق الفنان سفيان الخزرجي: عذرا لما بدر مني فكلمة فنان (حمّالة أوجه) ترددت في إستعمالها. أنا مثلك من هواة الكتابة ولست كاتبا، فما فعلته عبر السنين كان بعض الشعر والأدب ثم أقلعت عن ذلك .. على الأقل أنت تملك طريقة ساخرة مميزة مختصرة وشديدة البلاغة تحياتي
اكادير - لحسن الشباني
22 أيار (مايو) 19:41
تحية للكاتب نادر قريط.وكل الاخوة المعلقين خصوصا منهم الاستاذ الاتاسي. حقيقة لقد استمتعت بقراءة هذه المقالة المرحة .تعودت على قراءتين للتجربة التاريخية للعثمانيين :التاويل الثراتي الاخواني الذي يدافع الخلافة العثمانية ومشروعيتها ما دامت تجسد الخلافة الاسلامية الجامعة والموحدة -مع اننا كمغاربة لم نكن يوما تحت لوائها-،وتأويل مخالف يرى في الوجود العثماني تكريسا للشعوبية والاستعمار والعقلية المتخلفة …الخ لاول مرة اتعرف على قراءة مخالفة لهاتين التأويلين ،وما استفدته منها ،هو انه يكفينا، مرة اخرى تعللا بوضع وزر تخلفنا على الغير .فعلا لقد ان الاوان ان نتحمل مسؤوليتنا التاريخية بكل وعي وارادة وجرأة .مع صادق الود والامتنان .
- ستوكهولم - سفيان الخزرجي
22 أيار (مايو) 21:03
حقا ما قال الصديق الاستاذ نادر قريط ان كلمة فنان حمالة اوجه، ولانه لم يشأ ان يقول المعنى الاخر خوفا من الاساءة للفنانين، فأقول ان لسان العرب يذكر ان الفنان هو الحمار، وقد سمعت هذا اول الامر من الباحث مصطفى جواد قبل اكثر من 40 عاما. ولمن يشك في ذلك فليراجع لسان العرب.
دمشق - فادي نورم
23 أيار (مايو) 03:26
موضوع مدهش ,قد تكون القومية العربية قد بالغت في الإساءة للعثمانيين ,لكن هل ينفي ذلك الوضع المقرف الذي عاشته المنطقة العربية خلال هذه الفترة ,هناك بعض الأسئلة للسيد نادر ,ما الذي أخر دخول المطابع إلى سورية 300 عام ,إن كانت الإمبراطورية العثمانية بهذه القوة و الحضارة ألا يجب أن تدخل المطابع (أقل منها ) ,لماذا كانت مصر و من ثم لبنان مراكز للعلم و التنور خلال القرن التاسع عشر و لم تكن دمشق مثلاً ,ببساطة لأن مصر كانت محكومة من محمد علي أي بعيدة عن العثمانيين , و لبنان تمتلك سلطة أكبر على أراضيها بعد المجازر في بيروت و دمشق ,و أنا هنا لا أربط هذه الأمور بحكومة الإتحاد و لترقي ,ألم تلاحظ عدم و جود أي من الطوائف الشيعية ضمن المدن السورية الرئيسية و تركزهم في الجبال ,و القرى و لم يدخلوا المدن ,هل أحبوا نسيم الجبال العليل أما أنهم تواروا هناك بعيدين عن بطش العثمانيين , في سوريا الأن 30 طائفة ,قسم كبير منها أقدم من الاحتلال العثماني , و في المغرب العربي قد لا تجد 5 طوائف ما علاقة العثمانيين و تسامحهم بهذا الشيء , و في الحديث عن التسامح الديني العثماني , و بعد سقوط القسطنطينية أصبح السلطان لها الحق بتغيير بطرك القسطنطينية و خلال أول 50 عام من سقوطها تم تغيير 58 بطريرك ,بينما و بالأحوال الطبيعية فخمسين عام قد تشهد 3 بطاركة بشكل طبيعي , كان من قوانين الدولة العليا أخذ 10 بالمائة من أطفال المسيحيين كل سنتين أو ثلاث سنيين ليصبحوا جنوداً في الجيش الانكشاري طبعاً بعد أن يتم أسلمتهم , لا أعلم ما هو الموقف من فرض لباس خاص على المسيحيين و اليهود ,و منعهم من ركوب الخيل و الفرض عليهم بالسير في منتصف الشارع مع الدواب , الحديث طويل و الحقائق يندى لها الجبين ,لكن ما يسوءوني شخصياً ,أن تنتج بعض الاستعراضات المكشوفة لسادة تركيا الأن على إعادة نظرنا بتاريخنا أو أنها طريقة عربية فكلما أتى حاكم نصفق له و ننسى من قبله ,إن الترث الشعبي المحكي عن العثمانيين و إن كان فيه القليل أو الكثير من الادعاء لكنه يدل على مشاعر الشعب , ولو أنهم كانوا راضيين عن العثمانيين لكانوا قلبوا جهة الإدعاء .
دمشق - فادي نورم
23 أيار (مايو) 04:10
حول ما يتعلق بالعهدة العمرية , إن التعلق الكبير بها ومن قبل المسيحيين يدل على أهميتها و ما كانت تدفع من ضرر عنهم , و حول هذه العهد فقد قرأت عن عهدة مشابهة بين الخليفة عمر و دير مار جرجس في وادي النصارى حاليا ,أعفى حينها المسيحيين مجاوري الدير من الجزية , وقد يفسر ذلك بقاء كل هذه المنطقة تقريباً مسيحية على الرغم من فقرها الذي كان سيطيح بمسيحية سكانها لو كانت الجزية قائمة , و الله الأعلم , و بالنسبة للخط الهميوني القائل بمساواة بين المواطنين , إن هذه المعلومة ينقصها ما بعدها و قبلها , لقد أصدر هذا القرار بعد أن قامت الدول الأوروبية بمساعدة تركية بصد هجوم إبراهيم باشا ابن محمد علي , و تم الضغط على الباب العالي لإصدار قرار مثل هذا نظراً للوضع المتردي لحقوق الطوائف خلال حكم العثمانيين ,و ما بعد هذا القرار كان مذابح لبنان و دمشق التي راح ضحيتها 11 ألف مسيحي في لبنان و 10 ألاف في دمشق بمساعدة و تحريض الباب العالي , حيث كان الاعتقاد أن القضاء على المسيحيين سيحل مشكلة المساواة (منطقي ) , و لم تنتهي المذابح حتى تم تدخل عسكري من قبل الفرنسيين , أما بالنسبة للعلاقة الجيدة بين الأكراد و الأشوريين ,المستشهد به ,أولاً الأكراد لفترة طويلة لم يكونوا مسلمين بل زردشتيين , ثانياً إن من قام على العثمانيين كانوا مسلمين و مسيحيين , أي أن المشكلة لم تكن مسلمين ضد مسيحيين ,بل كانت عثمانيين ضد الجميع , أما هذه الفنتازيا التاريخية اعتماداً على اللو , من ناحية إن الدولة العثمانية لم تكن بهذه العافية و لو كانت هكذا لما كان من الممكن للدولة المصرية الناشئة بقيادة محمد علي من تشكيل خطرٍ عليها , هناك مبدأ فيزيائي و ليس تاريخي يلغي إمكانية التلاعب بالتاريخ بمعنىمن الصعب القول (لو لم تنهار الدول العثمانية لما احتلت فلسطين ) لأنه و على هذا المنوال ممكن القول ( لو لم يستعيد صلاح الدين القدس من الصليبيين لبقيت و لما احتلها الإسرائيليين و لأصبحت مثل المدن الأوروبية تنعم بالتسامح الديني , ولما كانت هناك مشكلة ), لا أرى شخصياً أن من الممكن بناء تاريخ جديد بعد تغيير مجموعة من الأحداث
- . - نادر قريط
23 أيار (مايو) 10:23
السيد الفاضل فادي: في الحقيقة لم يكن السجال هدفا (مع/ضد) بل البحث عن طريق ثالثة لا تؤدي للهيكل أو الكعبة (كما يقول أحد المتصوفة) .. إن مجمل ما ذكرت هو دعوة لقراءة الماضي بعيدا عن التعصب، ووفق منطق زمانه دون أحكام قيمة أخلاقوية ؟ وهنا ألفت النظر إلى ما يلي: ـ المطبعة بدأت في حلب قبل نابليون ومحمد علي بحوالي نصف قرن وكانت تطبع الكتاب المقدس. لكن ما أهمية المطبعة في بحر من الأميّة ، العثمانيون رفضوا تلك الحوافر الحديدية التي قد تدنس كلمة الله ، لكن الجوهر كان رفض الخطاطين (وصناع الحرف :لكون الخط العربي كان حرفة وفن يعتاش منهما الناس) للمطبعة خشية المنافسة على لقمة العيش، وعندما ألحت الضرورة ونضجت الظروف دخلت المطبعة. ـ مذابح دمشق وجبل لبنان حقيقة لا أقلل من شأنها ، وأسبابها متشابكة (منها إزدهار إرساليات التبشير، وتعصب بعض الولاة) لكن ذلك يُقرأ بزمنه ، لا تنسى أن أوروبا كنت آنذاك غارقة بالصراعات المذهبية، لا تنسى أن شعوبا كاملة قد سحقتها القيصرية الروسية (في القوقاز والقرم..) وقبل سنوات قليلة جرت مذابح طائفية في لبنان بدون آل عثمان فالأمر هو مركبات لست مع تبسيطها ـ أما "لو أن" التي لم تتفق معها فهي "لو" مصيرية تشكّلت بموجبها دول المشرق العربي ، ولا مجال لخلطها مع "لو" الأزمنة الغابرة، إذ بإمكاني القول: لو أن النياندرتال إنتشر على حساب الإنسان العاقل ، لما كنا بحاجة لهذا الحوار … أشكرك على تفاعلك وحضورك أخيرا: أتفق مع الأستاذ لحسن الشباني على أن قراءة الإسلاميين نرجسية تمجيدية فاقدة للمضمون، وربما يكون الأستاذ الأتاسي تساهل قليلا عندما ربط إنتهاء الخلافة بقدوم المغول. إذ كان بإمكانه أن يذهب بعيدا ويقول: إنتهت الخلافة منذ أن دخل السلطان الأعظم السلجوقي إيوان الخليفة في بغداد بحصانه ( وضاجع إبنته رغما عنه).. والمعذرة لقراء المغرب العربي فقد أسهبنا في حديث لا ناقة لهم به وشكرا للجميع
Ruston, Louisiana - أحمد نظير الأتاسي
23 أيار (مايو) 08:29
لا أريد أن أحتل ساحة التعلقات ولكني أود الرد على تعليق الأستاذ فادي نورم نظراً لأهمية ما طرحه من أفكار. التاريخ العثماني يبدو لي من أهم القضايا التاريخية المشرقية التي تجب دراستها لأنها ستقودنا إلى الحديث عن تابوهات لا يجرؤ أحد على الإقتراب منها حتى الآن وقد لامس الأستاذ فادي بعضاً منها. الذاكرة التاريخية لأي مجتمع قصيرة المدى ولا تتعدى بضعة أجيال. وحينما يقع المجتمع في مأزق لا بد من شرح أصوله التاريخية يلجأ الناس إلى المادة التي تقدمها الذاكرة الجمعية وهي كما قلت قصيرة المدى. وهنا تلعب الأيديولوجيات دورها في صياغة التاريخ حتى تدفع المجتمع في اتجاه يناسبها. وبتعدد الأيديولوجيات تتعدد التواريخ. وفي حالة التاريخ العثماني هناك الأيديولوجيات القومية (العربية، السورية، التركية، الكردية، الآشورية وغيرها) والإسلامية(السلفية والإخوانية والوهابية وغيرها) والطائفية (سنة، شيعة، صوفية، مسيحية بأشكالها) والحداثية (الإشتراكية والليبرالية والعلمانية). ولا يزال التاريخ العثماني ملعبا ًللأيديولوجيات معتمداً على الذاكرة الجمعية (وليس الأبحاث). ياترى، هل لو بقي المماليك لوصلت المطبعة إلى سورية باكراً؟ هل كانت الأقليات الدينية ستسكن المدن والسهول بدل الجبال؟ هل كانت معاملة المسيحيين ستختلف؟ ويمكن طرح الأسئلة بطريقة أخرى: هل دفع العثمانيون فعلاً الأقليات إلى الجبال؟ هل منعوا المطبعة من الدخول إلى سوريا؟ هل عاملوا المسيحيين بأقسى مما كان المسلمون تحت المماليك يعاملونهم؟ هذه أسئلة وجيهة ولا بد من الإجابة عليها. لكن الأستاذ نادر قريط لم يجب عليها ولم يدع إلى عودة الحكم العثماني. كل ما فعله أنه دغدغ مسلماتنا عن التاريخ العثماني حتى نعيد التفكير فيها وليس حتى نعيد هذا التاريخ إلى الوجود. لم يكن العثمانيون مختلفين عن الملوك والسلاطين الذين عاصروهم في أي مكان حول العالم: نخبة عسكرية تحكم ملل وطوائف وقوميات مختلفة، تجبي الضرائب، تعامل الناس كرعايا وليس كمواطنين (أي عليهم واجبات وليس لهم حقوق)، وتذهب إلى الحرب أو الجهاد كل صيف حتى توسع أملاكها، وتتحالف مع المؤسسات الدينية لتسبغ على نفسها شرعية إلهية. لم يكن هناك فكرة أقلية أو أغلبية بل حاكم ومحكوم فمثلاً المغال حكموا الهند لقرون رغم أنهم أقلية تركية مسلمة. المسيحيون عاشوا في كل أنحاء شرق المتوسط ولم يقتصر وجودهم على الجبال. ولا نعرف حتى إن كانوا أغلبية أم أقلية. الأحياء المسيحية في دمشق، حلب، حمص موجودة منذ زمن بعيد. أغلب القرى المحيطة بحمص مثلاً من ناحية الصحراء والجبل كانت ولا تزال مسيحية. كان المبشرون بأفكار جديدة مخالفة لمعتقدات الأسرة الحاكمة يتجهون إلى المناطق النائية والوعرة، فنظرية أن الأقلية المضطهدة أجبرت على العيش في المناطق النائية ليست دائماً صحيحة. أما نظام الدفشيرمة (أي أخذ أطفال المسيحيين البلقانيين ليصبحوا انكشاريين) فهذا نظام عبودية لكنه لم يكن غريباً عن المنطقة فالجراكسة كانوا مصدراً للجنود العبيد ثم أصبح السلافييون (الصقالبة) من سكان البلقان المصدر الرئيسي وكانت هناك سوق مزدهرة لضحايا القرصنة من طرفي المتوسط (قصة ليون الإفريقي لأمين معلوف مثال على ذلك) شهدت مرور مئات آلاف الناس. أما قضية اللباس الخاص بالطوائف فقد كان عرفاً معمولاً به في كل أنحاء العالم. وكانت هناك ألبسة للأصناف (أصحاب الحرف) ولرؤوس الطرق الصوفية ولعمال الدولة وللجنود، حتى في أوروبا القرن التاسع عشر. وتغيير البطاركة من قبل الحاكم كان أيضاً عادة بيزنطية. ولا يخلوا تاريخ الكنيسة من خصومات ودسائس. وقد تستغرب إذا قلت لك أن مسيحيي القرن التاسع عشر كانوا يتذمرون من سيطرة الكنيسة على حياتهم تحت نظام الملة أكثر من تذمرهم من جور السلطان العثماني (إقرأ أحمد فارس الشدياق وقصة أخيه أسعد). أما اشتراك الباب العالي في أحداث 1860 فهذا ما لم أسمع به وقد يكون حقيقياً لكني أرى فيه أصداء لمجازر الأرمن وليس لأحداث جبل لبنان ودمشق وحلب عام 1860. وإذا أردت أن تتعرف أكثر على تعقيد المسألة فاقرأ "كناش الحسيبي". أما هجرة المسيحيين إلى أمريكا وعلاقتها بوضعهم تحت العثمانيين فهناك الآن مركز دراسات عرب-أمريكا في جامعة ميشيغان وتستطع أن تصل عن طريقهم إلى أحدث الدراسات. الهجرة لم تكن بسبب الإضطهاد وإنما بسبب نجاح الدعاية التي مارسها العاملون بتهريب الناس. وهناك دراسات مماثلة عن هجرات كثيرة إلى أمريكا من أنحاء كثيرة من العالم وتشير إلى السبب ذاته. الأمور دائماً أعقد مما يتصور المرء فالضحبة ليست دائماً ضحية والقاهر والمقهور ليسا دائماً واضحي المعالم. لذلك فإن كتاب مثل الأستاذ قريط يقدمون خدمة لي ولك وللناس كلهم بإثارة هذه الحساسيات إذ لا يمكن أن نتابع العيش في جو الطائفية والكراهية وسيطرة الأيديولوجية ونحن نرى آثارها التخريبية في العراق ولبنان ومصر والآتي أعظم. تحية للكاتب والقراء والأستاذ فادي نورم.
- ستوكهولم - سفيان الخزرجي
23 أيار (مايو) 11:57
الاستاذ احمد الاتاسي نقاش جميل بين مثقفين نجد انفسنا مجبرين على الاصغاء والاستفادة، ولكن جملة توقفت عندها: الهجرة لم تكن بسبب الإضطهاد وإنما بسبب نجاح الدعاية التي مارسها العاملون بتهريب الناس. وهناك دراسات مماثلة عن هجرات كثيرة إلى أمريكا من أنحاء كثيرة من العالم وتشير إلى السبب ذاته. هل تعتقد فعلا ان الدعاية بكل ثقلها وتقنيتها الحديثة تستطيع ان تقنع السويديين للهجرة الى اميركا اليوم؟ بينما كانت هجرة السويديين بالآلاف في نهاية القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين حين كانوا يبيعون ابناءهم نتيجة الفقر المدقع. لا تستطيع اية دعاية ان تقلع الانسان من جذروره ليهجر وطنه دون ان تكون هناك اسباب موضوعية. شكرا لهذا النقاش الثري والشكر موصول للاستاذ قريط في طرحه لهذا الموضوع.
دمشق - فؤاد حسن
24 أيار (مايو) 14:19
شكراً للأستاذ نادر على المقال، وأود التعليق على نقطة أثارها الأستاذ فادي نورم، حيث قال ان المدن السورية الكبرى تخلو من الطوائف الشيعية، وهذا غير دقيق، حيث ان نصف سكان دمشق في بدايات القرن العشرين كانوا من الشيعة الاثني عشرية، كذلك فقد كان هنالك تواجد لا بأس به للشيعة والدروز والعلويين في حلب، أما بالنسبة لتمركز الأقليات في الجبال والأرياف فهو أقدم من العثمانيين ويرجع بشكل أساسي للفترة الأيوبية والصراع بين الأيوبيين وخلفائهم المماليك مع الاسماعيليين ( الحشاشين).
نشر في الآوان
الرجاء الاطلاع على الوثائق الشرعية . في مركز الوثائق التاريخية في دمشق , لفترة العثمانيين في بلاد الشام . الكثير من المجلدات , ألاف الصفحات وعشرات الألوف من الوثائق , تبين طريقة الحكم في فترات العثمانيين , المستندة على مجالس الشرع برئاسة علمء دين من بلاد الشام
ردحذفالصدفة سمحت لي بالمشاركة في الاطلاع على هذه الوثائق مع فريق سوري - تركي ثقافي , مهمته - ربما - إعادة كتابة تاريخ هذه المرحلة من قبل الأتراك ليطلع عليها القاريء العربي وخاصة القاريء الشامي - بمعناها الوسيع . رأيت أسلوب دقيق في فض جميع المنازعات بين رعايا الدولة العثمانية , بجميع مكوناتها ووظائف أصحابها مهما علت .
ردحذفانا رجل بسيط , لا استطيع مجاراتكم في وضع بصماتي وأفكاري في هذا الموضوع الشائك .