لا تُقيّد كلامي فإنّي
مثلُ غيّري تكلّمي بالمجاز
ولم أجد ما أقوله عن الكتاب، سوى أنه يخوض بمناهج تفكيك عسيرة، أصعب بكثير من الدبكة الحورانية أو الكردية (التي تثير الغبار والغريزة) وبالفعل فقد أطحت بالكتاب جانبا، قبل بلوغ ربعه الأول. فتعلم لغة المندرين الصينية أكثر يسرا وسهولة من هذه الطلاسم. مع أن المترجمين قاما بالعمل على مايرام، وشرحا الكتاب بعبارات وافية، لكن المشكلة تقع على كاهل فضائنا المعرفي، وعدم إمتلاكه الأدوات المناسبة لفهم هذه الأمور.
وقبل الذهاب شوطا بعيدا ألفت نظر القارئ المهتم إلى أن هذا النص إستمرارٌ في محاولة كتابية للإنعتاق من تضخمInflation الكلمة، الذي يشبه تضخم العملة، حين تتآكل قدرتها الشرائية، وهذا الأمر يؤكده علم اللسانيات. والعملية تزداد طرديا في عصر النت مع فيضان المكتوب، وتجعل حتى العناوين الساخنة مملّة ومُنفّرة.
فلو نظرنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن قصيدة ما لليازجي أو الزهاوي أو مقالة لطه حسين، كانت تحرك الوجدان والمشاعر، وتخلق قاعدة أخلاقية للتأثير وصناعة الرأي العام. أما لغتنا الحالية فتعاني من إفلاس وتضخم وغير قادرة على شراء بصلة. لذا أستميحكم عذرا إن تقصدت البلبلة، وترك المضمون هائما، يستمد نسغه من تداعيات الفوضى، أملا في إستعادة ما أشكل من أسئلة بديهية "مستعصية"
فمجرد الولوج عبر بوابة الفلسفة، إلى أسئلة الوجود والحقيقة، سنكتشف مدى هشاشة وضعف وسذاجة حججنا، إذ تبدو اللغة محاولة مستمرة للتمويه، وكل أنساق الكلام (الكتابي) إختزال للمعنى وتشويه له.. وأحيانا ضرب من الحماقة؟ هاكم هذين المثلين من عالم الميديا لتتأكدوا كيف تتحرك اللغة داخل مزيج هلامي من التعريفات الفوضوية والإفتراضات والعبث والقوة والبلاغة:
الخبر الأول: الحكومة الإنتقالية في الصومال، تُعلن حالة الطورائ بعد إنفجار بيدوا؟
إن كل الكلمات الواردة تقوم على عبث لغوي لتقريب الصورة : فالحكومة لا تحكم خارج القصر، ورئيسها نفسه (وهذه ملهاة) كان قائد المحاكم الإسلامية سابقا، وقد طردته أثيوبيا وأمريكا من الباب، ثم أعادته أمريكا وقطر من الشباك، بشكل سوريالي، والصومال نفسه لاينطبق عليه تعريف الدولة ذات السيادة، وعندما تسود الفوضى لعقدين، فما معنى أن تُعلن حالة الطوارئ؟
الخبر الثاني: الرئيس ساركوزي يرفض البرقع على الأراضي الفرنسية ويعتبره رمزا للإستعباد والإنحطاط؟؟ لو تأملنا الترجمة العربية المعتمدة "إنحطاط" فهي ذات دلالة مزدوجة، وتعني التخلف، لكنها تتضمن السفالة أيضا.. إن ساركوزي وجه كلمتين بمنتهى القوة والعنف للعالم الإسلامي (ربما ليرد على ميوعة اوباما) وكأنه يقول لحكام البلاد التي ينتشر فيها البرقع، بحماية التقليد والسلطة: كفّوا عن إستعباد المرأة واخرجوا من عالم السفالة والتخلف (شخصيا أتفق مع المضمون)؟! لكن مسيو ساركوزي، يتستر ضمنيا على شركاته المصدرة للسلاح، التي كان وقودها مئات آلاف البشر، ويغمض عيونه عن دعم أنظمة الإستبداد الأبوية العربية، لابل انه شخصيا كان عراب دخول إسرائيل إتحاد الشراكة الأوروبية، قبل أسبوعين من إرتكابها محرقة غزة. ربما يبدو هذا الكلام للبعض ضربا من السفسطة.. لكن جوهرالحقيقة كيان لايقبل القسمة والبيع بالتجزأة، ولعبة القوة تجعل من كلامه عن الإستعباد والإنحطاط، فوضى لغوية، إذ كان يكفيه التصريح بأن البرقع يتعارض مع القيم الفرنسية.
(لهذا أقترح على من طالهم رذاذ فم ساركوزي، أن يلجؤوا إلى أمرين: إما أن يمنعوا البرقع فورا، أو أن يقطعوا علاقتهم بفرنسا فورا؟ أوليسوا هم من نفخنا بكلمات: لا يسلم الشرف الرفيع؟ فلماذا يصمّون آذانهم عن تلك الإهانة)
دريدا ومنهج التفكيك
جوهر عمل دريدا "في علم الكتابة" المشار إليه في المطلع، يقوم على سبر النصوص الأدبية والفلسفية الكبرى، ووضع الميتافيزيقيا الغربية تحت مشرط النقد، وتعريض مسلماتها للمساءلة. وإكتشاف التحولات الداخلية للنصوص، ورؤية أماكن الحذف والإزاحة والإختلاف والتكميل فيها. وهذا هو جوهر مدرسة التفكيك.
والمهم أن دريدا يتقاطع مع مقولة روسو، التي تعتبر الكتابة مُكمّلة للكلام وممثّلة له. فهو يجد أنها (الكتابة) تحتوي اللغة وتتجاوزها. أيا كان تعريفها (فعل، حركة، وعي، تشكيل للمعنى ..للفكر) ويرى أن جوهر الفكر الغربي من أرسطو إلى ليفي شتراوس، قام على أوليّة الكلام على الكتابة (ربط الدلالة بالصوت) وبالتالي تحويل الوجود إلى حضور، وهذا أدى حسب قوله، إلى فرض اللوغوس الأوروبي أو مايسميه: المركزية العرقية الأوروبية.
في الحقيقة أثارني هذا الموضوع، دون دراية كافية، فقد قرأت هوامشا من كتابه "الأجراس" وكيف إستفز دريدا قراءه وأثار سخطهم، عندما وضع نصا تجريديا لهيغل على الصفحة اليسرى (مفتوح البداية والنهاية) ونصا أدبيا لجان جينيه على الصفحة اليمنى، ثم أضاف هوامشه وتعليقاته.. ولما بوغت بغضب القراء ونرفزتهم وعدم إدراكهم للمكتوب قال: لا أعرف كيف كتبت هذا النص الخالي من الكلام؟!
أرجو الإنتباه إلى هذه الجملة "نص خال من الكلام" فالكتابة مهما كانت هي تمثيل للكلام (بما فيها الكتابة التصويرية أو الرمزية أو حتى الرياضية، فعندما يُكتب مثلا: مساحة الدائرة تساوي "باي" ضرب مربع نصف قطرها، فإننا نترجم فورا تلك العلامات المجردة إلى صور محسوسة مُدركة، ونعرف أن الحرف "باي" هو ثابت رياضي يساوي محيط الدائرة مقسوما على قطرها، ونعرف أن الدائرة (حسّيا) هي مجموع نقاط لخط منحن، تبتعد نفس المسافة عن مركز مُفترض..إلخ)
إذن هناك برأيه كتابة خالية من الكلام ستسود مستقبلا عندما تتعطل لغة الكلام (حسب أحمد شوقي: وتخاطب عيناه في لغة الهوى عيناها) فالكتابة أو نصوص الأبجدية الصماء، تحتوي الكلام وأبجديته الصوتية بشكل ما، وهذا يدركه المرء إذا ما قارن بين نص إبداعي (أو فكري ) وبين كلام كاتبه. ومن يتابع المناظرات التلفزيونية (غير العربية) يجد أن المثقف منسجم وطليق فيما يقوله، وينتقل بتلقائية بين ما يكتبه ويتكلمه، والفرق يظل واضحا، فالكتابة صيرورة بطيئة متأنية تتيح للمرء خلق الفكرة عبر عمليات " الحذف، والتكميل، والإزاحة" ونسج كيان كلامي هارموني يتيح إمكانية تدفق البلاغة والمجاز والبيان. إلخ أي أنها خلق وإبداع خارج منظومة الكلام وإن كانت تحتويه بآن معا.
كل ما ذُكر أعلاه بداية لفكرة قديمة حاولت معرفة إشكاليات لغتنا العربية، حيث يبدو لي أنها سبب مهم لإستمرار هيمنة العقل الدوغمائي (الذي يستمد صورة العالم من لغة كلاسيكية قديمة، أشبعها الإكليروس الديني، وفق متطلبات قانون المجتمع الأبوي الشرقي وشبكة عصبياته ونظام الإنتاج فيه)
وهذه اللغة كنظام للعلامات الصوتية (الفونيم) تقوم بعمليات تمويه مركّبة، كونها بالدرجة الأولى تمثيلا لمحسوسات ومدركات نسبية، ثم تنتقل كتابيا عبر المجاز والبلاغة إلى خطاب أكثر تمويها ومخادعة؟ ومشكلتنا كناطقي عربية تكمن في هذه الآلة: العقل ـ لغوية القديمة، التي نستخدمها بشكل فصامي.. إذ يتوجب علينا الكتابة بها (لإستحالة الوسائل الأخرى، حيث أن العاميات ولأسباب دوغمائية، تم قمعها وتحقيرها ومنع تطورها اللساني وتعطيل قواعدها، مع أنها لغة الشعب والنكتة والأحاسيس العميقة)
وهذا يسبب فصاما قسريا للمثقف، فهو بالعادة لايمارس لغة الكلام الفصحى (إلا في الكتابة أو المناظرة أو محاضرة) في حين يمارس حياته العامة والخاصة بلهجته العامية. حتى فحول خطباء الفصحى يتأوهون في مخدع الزوجية بلغة الشبق العامّية والساقطة أحيانا، ولو فعلوا ذلك بالفصحى، لأضحكوا عليهم العباد.
وبسبب هذه القطيعة وفقدان المراس داخل الآلة (العقل ـ لغوية) يتلعثم المرء أثناء تجسيد أفكاره مشافهة. إذ عليه مراعاة لغة الثقافة العليا (الفصحى) وضبط صرفها ونحوها (ليبدو جهبذا لا يشق له غبار) مما يشتته ويُحدث إرتباكا وتلكؤا في خطابه خصوصا إذا خانته ملكة الخطابة والصوت الصادح والنبرة المسموعة وسرعة البديهة..إلخ
يكفي مثلا مشاهدة ذبائح المفكرين وهي تُعلّق في محل جزارة فيصل القاسم في الجزيرة..وكم يصاب المرء بالحزن والأسى، وهو يرى شخصيات مثقفة مثل محمد أركون تتلعثم أمام أحد خطباء الجمعة من أنصاف الأميين. أو يرى مثقفا نبيلا مثل عبدالحسين شعبان، وهو يحمّر ويصّفر أمام تكفيري يحتكر خطاب الحقيقة كالشيخ النفزاوي.
لكن المشكلة أكثر تعقيدا بكثير إذا عرفنا أن المثقف نفسه يساهم بها، ويقف بهشاشة أمام الموروث وحراس المقدس. ويا لها من خيبة عندما يقرأ المرء هاشم صالح، وهو يذود عن محمد أركون، ويشهد له بأنه مؤمن قانت ومثابر على فروضه وصلواته، وكأنه يستجدي القارئ ضمنيا، ويطلب منه العفو (على ذنب إقترفه)
وربما تُفهم الدوافع، فالتمرد والوقوف بوجه عاصفة الدهماء ليس سهلا، فكانت نفسه (فيلسوف التنوير) لم بستطع أن يجاهر بقطيعة وعداء الكنيسة.
من هنا تتجسد أهمية الخروج من هذا الإلتباس المُربك، فالدين هو مستويات مركبة على المرء الفصل بينها، إذ إن المحتوى الميتافيزيقي منه (الله ملائكة أنبياء يوم آخر) مسألة ذاتية للتأمل، ولم تعد تُشغل إنسان الحداثة كثيرا، وقد يجوز القول بأن الأرثودوكسيات الكبرى خلقت ميتافيزيقا رثة وكسيحة (تسيئ حتى للذات المتعالية التي رسمتها) وهنا لابد للمرء أن يجاهر ويتحدى هذه الصورة البدائية لإحتكار "أسئلة الوجود" وخلق لغة تحفر في جدار لغتنا "الأنطو ـ تيولوجية" التي شيدت مداميك الوجود على أسس لاهوتية.
أما المستوى الآخر للدين فهو التاريخ وهو لغة سلطوية، وطقوس، ساهمت في تشكيل هوية الجماعة البشرية، وهنا تتجلى أهمية النقد التفكيكي لإزالة ركام الأسطرة من أمام السابلة.
إذ لابد للغة الحديثة (هكذا أعتقد) أن تقول رأيها في قضايا العقائد بدون مواربة وتمويه، وخوف من تهمة الإساءة للذات الإلهية. فإلتباس الخطاب والفصامية وتملق العامة. هو مساهمة لإستمرار تكريس لغة الحمدلة والحوقلة، المعادية لجوهر الحرية. وعلى رأسها حرية الفرد وحقه في الإعتقاد وتغيير العقيدة (كما تنص لائحة حقوق الإنسان رضي الله عنها) وهذا الأمر صعب للغاية، ويحتاج إلى إرادة وبيئة تترعرع فيها قيم الحرية.
ولتقدير تلكم الصعوبات، أتذكر حادثا طريفا ألمّ بكاتب السطور، ولطرافته لا أملّ من تكراره،فقد كنت يوما في عيادة طبيب (في القاهرة) حينها سمعت نقاشا بين المراجعين عن مليونير مصري إنتحر بعد قتله لزوجته (فنانة تونسية) والأهم أن مساعدة الدكتور، كانت حزينة وتتأسف فقط لإنتحاره، لأنه لن يدخل الجنّة؟ وعندما تدخلت (غير مشكور) لأخبرها بأن الجنّة محض إفتراض ووهم وهراء؟ هاجت القبائل وماجت، وطار الشرر من عيني الممرضة ذات السواعد المفتولة (والقوام الشبيه بكيس بطاطا) وأحسست أنها تريد سلخ جلدي. فسكتّ بسبب الجشع وحب الحياة وعدم الرغبة بالشهادة، وبحثت عن (قندرة) ووضعتها في !!! ولزمت الصمت. (لذا أنصح نقاد الدين، بعدم الذهاب لهذا الطبيب، والأفضل أن يختبئوا في غابات كندا)
اللغة والصوت والجاحظ:
إستطرادا أتوقف عند الصوت وأثره وعلاقته بالدلالة اللغوية. فالجاحظ يتحفنا بمقطع لطيف في كتابه الحيوان، يتحدث عن تأثير الأصوات ويميّز بين ما يجلب الكمد، أو الطرب أو ما يزيل العقل حتى يُغشى على صاحبه (حسب وصفه) ويضيف حرفيا أن الناس : بعتريهم ذلك من قبل المعاني، لأنهم في كثير من ذلك لا يفهمون معاني كلامهم؟
ثم يورد لنا عبارة بديعة عن ماسرحويه، وهو طبيب يهودي بصري ومترجم للسريانية، بكى من قراءة أبي خوخ (للقرآن) فقيل له:
كيف بكيت من كتاب الله ولا تصدق به؟
قال: إنما أبكاني الشجا؟؟
ما يهم قارئ (الحداثة) ليس تاريخية الرواية وحقيقتها
بل البحث في مضمون ودلالة المكتوب، وليس فقط السؤال عن النسق الكرنولوجي والتحقيب الزمني أو حقيقة حدوث الرواية من عدمه؟! (2)
فمضمون قصة ماسرحويه القصيرة. تشير إلى معرفة الجاحظ بسحر الصوت وتأثيره على أسماع الناس، وخطفه لبّهم، دون حاجتهم للدلالة والمعنى. وهذه لفتة مهمة تفسر إستخدام السلطة للأوتار الصوتية (والآلات والفنون) من أجل الهيمنة والتحكم بخيال الناس ومشاعرهم ( هذا نعرفه من تأثير قراءات القصة الحسينية في عاشوراء وما يصاحبها من تهييج مشاعر، أو إلقاء الأناشيد الوطنية، ونفس الشيئ تمارسه الميديا الحديثة بلغة تصويرية، كما في قصة موت الأميرة ديانا مثلا وخلق هستيريا جمعية ؟!) .. أما الفضاء الدلالي لقصة الجاحظ، فيدلنا أيضا على أجواء مدنية سادت البصرة (زمن توليف النص؟!). فوجود كتب ونسّاخ ومترجمين وأطباء (مع تقدير دلالة تلك المهن بما يناسب عصرها) ووجود اليهودي ماسرحويه (ترجم كتاب القس أهرن بن أعيش) يدلنا على بحبوحة من التعايش السلمي والجدل الديني ويعكس ملامح للفضاء الثقافي العربي الفارسي المتداخل في تلك الفترة.
هوامش:
1ـ في علم الكتابة (جاك دريدا) ترجمة : د. أنور مغيث و د. منى طلبة
2ـ يرجع كتاب الحيوان لعام 233 هجري، وكتب الجاحظ ذكرت عند ياقوت وابن خلدون وغيرهم؟ لكن الباحث المعاصر يهمه أيضا المخطوطات المتبقية التي نقلت كتبه، فمن المعلوم أن تاريخ نسخ الكتب العربية تعرض عبر العصورلتغيرات وإضافات وحشو متأخر وخلط لأزمنة وأفكار وكتّاب. إلخ. ولو راجعنا مثلا تاريخ المخطوطات المتوفرة حاليا، التي إعتمدها المحقق عبدالسلام هارون في تقديمه لأشهر كتب الجاحظ "البيان والتبين": سنجد أن أقدم نسخة توفرت له هي نسخة مكتبة كوبرلي، المحفوظة بدار الكتب المصرية، ويعود نسخها لعام 684 هجري أما الأخريات فهي حديثة، كنسخة أنجزت بالمدينة المنّورة على ذمة الكتبخانة الخديوية عام 1299هجري (1882م)؟!
1 - رحم الله شيخ المثقفين السوريين أنطون مقدسي
Sunday, June 28, 2009
أبو هاجر: الجزائر
في منتصف الثمانينيات ،وبالضبط في وزارة الثقافة السورية، وتحديدا في مكتب المفكر الكبير الراحل أنطون مقدسي، كنت ثالث ثلاثة جزائريين لما جرنا الحديث إلى جاك دريدا، وبحكم الشباب و الحماس تحول كلامنا عن دريدا إلى خطبة ، دريدا الجزائري المولد والفيلسوف الحداثي.وكعادته كان المفكر الكبير أنطون مقدسي يستمع، وبعد انتهاء الخطبة التي كانت مزيج من الفرنسيةو العربية ابتسم الفيلسوف ابتسامة بدا لي ، او تهيأ، أنها كانت مزيجا من الشفقة و الحصرة .بعدها راح يحدثنا عن دريدا ذلك اليهودي/ المعتق /أما ماذا قال شيخ المثقفين عن التفكيك ومقاصده فذاك حديث يطول
2 - حدود الكتابة
Sunday, June 28, 2009
فضيلة يوسف
تحياتي استاذ نادراتذكر قصيدة لمحمود درويش يقول فيها ما فائدة الشعر ان لم يفهمه الناس وللاسف اني لم استطع ان افهم مقالتك بشكل تام على الاقل في بعض الفقرات وهذا يقودني الى الكلام عن مذابح فيصل القاسم فقد لا يفهم الدهماء كلام المثقفين مثل عبد الحسين شعبان ومحمد اركون بينما يفهمون ما يقوله الشيخ نصف الامي فلماذا لا يتحدث المثقفون بلغة يفهمها الناس (واعتقد ان اعجاز القران في جزء منه هو ان لغته بسيطة استطاع الناس فهمها ) واود ان اعلق على نقطة اخرى ما الفرق بين قولك للممرضة والناس في العيادة (الذين يؤمنون بالله والجنة) ان الجنة محض وهم وبين ان يقول لك احدهم انك كافر مثلا انا اعتقد ان الاهم في هذا الموضوع ان يتعايش الجميع معا بغض النظر عما يؤمن به كل فرد (اي ضمان حرية الاعتقاد للجميع .
3 - رد
Sunday, June 28, 2009
نادر قريط
تحية بالمقابل للأستاذ أبو هاجر ابن الجزائر العزيزة ، ولعلها فرصة ثمينة أن نستعيد وهج الأيام ودفقها . وللأسف لم أتعرف على دريدا إلا قبل أعوام ، وكانت نصوصه صعبة المنال بسبب حواجز المعرفة.. إذ إن متابعة تفكيكه تتطلب دراية بروح النصوص الكبرى عبر العصور.. وهذا ما إفتقدته شخصيا بسبب ميول أدبية الأستاذة فضيلة: شكرا لك على المداخلة ، إن النص بمجمله دعوة لفتح آفاق اللغة لتستوعب الحرية، وأن يحق للا ديني إمتلاك الفرصة لممارسة حقه في رفض الأديان والمقدس ووقف إحتكارها -لأسئلة الوجود- وأن يمتلك الحرية لإعلان لا دينيته وأن تكون أسئلة الحقيقة وما يتبعها من مفاهيم خير عدالة وجمال مشروعا إنسانيا رحبا لا يخضع لسلطة اللغة التيولوجية-التي تتحكم بمجمتعاتنا وتقودها كقطيع وشكرا
4 - تداعيات
Sunday, June 28, 2009
ابراهيم البهرزي
الاستاذ الصديق العزيز نادر قريط لازيح الانهاك الفكري الذي تزامن مع درجة حرارة الغرفة العلوية (قرابة 45 مئوي!!...هل تعتقد ان عراقيا يخاف النار ؟)واضافة لحديث الجاحظ عن ماسرحويه كنت اشاهد اثنين من الفلاحين الشباب الذين يسكرون على طرقات البساتين (قبل الحملة الايمانية التطهيرية )لقد كانوا يسكرون يوميا بالعرق العراقي الابيض العريق ومعهم مسجل كاسيت صغير ,ولك ان تتصور على م ينتشون يوميا :انها سورة يوسف بقراءة عبد الباسط محمد عبد الصمد ...!!تصور ان الكتابة لا تنعدم ان تكون نصا بحسب دريدا فحسب ...بل ان الكلام (المقروء ) ينعدم عن اداء المعنى ..ليسمو كصوت مجرد ...نعم انه يسمو ايها العزيز قريط ..مع محبتي
5 - البصلة
Monday, June 29, 2009
مختار ملساوي
سيد نادر لو كنت في الجزائر لاستبدلت مثال البصلة بشيء آخر. البصلة هذا العام عندنا صار لها قرون، كما نقول، بعد أن ندرت وفاق سعرها سعر الكثير من الخضر وحتى الفواكه، أما البطاطا والفول فحدث ولا حرج.من جهة أخرى هل يجب أن يرتفع مستوى الناس أم يجب أن ينزل مستوى ما يكتبه المفكرون.ما رأي السيد فضيلة يوسف في قول الشاعر:عليّ نحـت القوافـي من معـادنهـا ... ومـاعلي إذا لـم تفهم الـبـقـــرتحياتي
6 - فحول الخطابة في المخدع الزوجي
Monday, June 29, 2009
هادي
لقد اشعل نصك ادناه وانا اقرأه نصف مضطجع فضولي (فصولي مفعول به للفعل اشعل)، والنص هو:حتى فحول خطباء الفصحى يتأوهون في مخدع الزوجية بلغة الشبق العامّية والساقطة أحيانا، ولو فعلوا ذلك بالفصحى، لأضحكوا عليهم العباد. فحاولت تخيل لغة المتنبي وهو يضاجع ام محسد، فهل كان ينشد لها:لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحب ما لم يبق مني وما بقيام انه كان يتلو عليها ابياته في ام ضبة
7 - مر الكلام أعذبه
Monday, June 29, 2009
جورج خوام
ذكرتني يا أستاذنا العزيز جداً بصيف حلب وأمسيات قضيتها منتشياً إما بصوت عبد الباسط عبد الصمد وهو يحلب البقرة (تأثير حلب مرة أخرى والصحيح يتلو!) أو بكأس عرق الريان، أو كلاهما معاً، فالأرض خمارة والدهر صاحبها...... حسب شهادة جبران.ربما المشكلة في الإمساك اللغوي بحكم القدسية والشلل الفكري المتلازم مع تلك الحالة، ولنا في قصة يونس مثلاً على ذلك، وكذلك القديس الذي لم شك بأن قرائنه يمكن لهم أن يكذبوا عندما صدق رؤيتهم للأبقار الطائرة.، والله أعلم (حسب العادة).
8 - الاسلوب اساس الفهم
Monday, June 29, 2009
حسين الحمامصي
الاسلوب ، الاسلوب ، الاسلوب
9 - نشوة أن يقرآ المرء لنادر
Monday, June 29, 2009
جهاد مدني
سيد نادر القدير...حينما لاأجد لك مقالاً في الحوار أهرع الى الأوان, وان لم أجد ضالتي فواحة مدونتك ولوحاتها الفنية بما فيها اللوحات التي ترسمها أنت بالأبجدية هي الورقة الأخيرة. أرى فيك مشروع لمفكر حائر وسأبقى شغوف بمفاجأتك لنا وأتمنى أن أشاهد يوماً ما فيصل القاسم فريسة لسخريتك الذكية أرجو لك دوام التألق
10 - تعقيب
Monday, June 29, 2009
نادر قريط
لو إستخدمت أحد تعبيرات دريدا نفسه لقلت : وأنا أيضا لم أفهم النص !! فالنصوص تسخّر أحدا لكتابتها؟ معذرة أردت أن أخفف من الطابع اللإنساني لبيت الشعر الذي أورده السيد مختار، فجميعنا يمسه هذا الشعر بطريقة ما لأننا نتساوى أمام أسئلة الوجود والحقيقة. فمنذ عصر الكهنة الشامانات وحتى عصر البابا بندكت وشيخ الأزهرلا تزال لغة التيولوجيا وإحتكار المطلق هي اللغة السائدة . وهي لغة قسمت البشر إلى مؤمن وكافر، وهذا كبد البشر كثير من الآلام (الأمثلة شاخصة لليوم).. فلسفة الحداثة هي التي ساوت بين منظومة الإيمان واللايمان ، فأحدثت تغييرا في نظام رؤية الكون وتغييرا في المرجعيات (القانونية والأخلاقية) القديمة، أي أن إلغاء إحتكار المطلق الديني هو مساهمة لتحقيق جوهر العدالة والحق ... ويعني تغير الأطر الإجتماعية للقوانين ( الأحوال الشخصية الزواج الإرث حقوق المرأة الطفل الإقتصاد ..إلخ) وبعيدا عن هذه المطبات .. أشكر الأستاذ الشاعر إبراهيم البهرزي على مثاله الواقعي من بساتين بعقوبة.. وأذكره بشطر عليه تكملته بهمس حتى لا تسمعه محاكم التفتيش الجديدة :شارب الخمر يصحو بعد سكرته....مع الإعتذار للأخوة المتدينين.
11 - عن توما الأكيوني لمحت
Monday, June 29, 2009
جورج خوام
مرحباً أستاذ نادر وعذراً عن التأخر في التنويه على أنني قرأت معلومة عن توما الأكويني الهام تاريخياً تفيد بأنه كان لا يشك بزملائه لأنهم قسس مثله، ومزح بعضهم معه بالقول أن هناك قطيع من البقر يطير على علو منخفض، فسارع إلى أقرب شرفة لينتهي به سماعه ضحك الأصدقاء على سذاجته. رده كان بأنه صدق بإيمان بأن الرهبان لا يكذبون. هي القدسية التي نحيط بها الأشياء ونغلق عقولنا معها. تحياتي وشكرا لوقتكم.
12 - شكراً ياأستاذ نادر
Monday, June 29, 2009
أبو هزاع
كما قال البعض أكرر أن مقالاتك متعة للقارئ وأرجو أن لاتحرمنا من كتاباتك ياأستاذنا الفاضل. سؤالي الوحيد هو حول اللغة التي يجب أن نستخدمها في الكتابة وهل على المايسمى بالمثقفين الإنتباه للتخلص من سفسطتهم المعهودة. مع التحية
13 - تعقيب 3
Monday, June 29, 2009
كاتب المقال
بالغ التقدير للأستاذ جورج خوام على القصة المعبرة عن توما الإكويني، وبالمناسبة فإن دارسي التراث اللاهوتي يعتبرون أن الإكويني تأثر بالغزالي وقد جندت الكنيسة كتاباته لحرب الفلسفة ، هذا الرأي السائد ولا أملك المعرفة لإثبات أو نفي ذلك. بمناسبة ذكرأما الأستاذ أبو هزاع فقد فاجأني بسؤال مهم ..قبل عامين أو أكثر إلتقيت الأديب أمين معلوف فسألته كيف أبدع رواياته الشهيرة: ليون الأفريقي، وسمرقند إلخ أخبرني بأنه أحيانا يعيد كتابة الصفحة عشر مرات ثم يمزق الورق ليكتب من جديد.. أمين معلوف ترجم الآن لأكثر من ثلاثين لغة ويكتب الفرنسية ولغته الأم هي العربية
14 - التصويت في الحوار المتمدن وسوق هرج
Monday, June 29, 2009
هادي
يذكرني كثيرا التصويت في الحوار المتمدن بسوق هرج في بغداد فكلما علا صوت بائعي الخردة كلما اقبل الزبائن عليهم.
15 - تعقيب أخير
Monday, June 29, 2009
كاتب المقال
آسف للأستاذ مدني فقد ضاع شكري له، أثناء إزالة ثلاثة تعليقات، أحدهم لي وآخران لأسماء أخرى، بسبب إحتوائها على مشاحنات جانبية لا علاقة لها بموضوع المقالة، أو الأفكار التي تحتويها. أعتذر للسيد جهاد مدني ثانية أما إشارة الأستاذ هادي للتصويب فهذا أمر غير مزعج بل متوقع وسبق أن ذكرت مقولة لينين: إذا صفق لك خصومك فإعلم أنك إرتكبت حماقة وشكرا
16 - همسه
Monday, June 29, 2009
همسات
وددت المرور لتحية كاتبى المفضل أتمنى أن لا ننتظر المقال القادم طويلا تحياتى لك
17 - همسة إلى هادى
Monday, June 29, 2009
همسات
يذكرني كثيرا التصويت في الحوار المتمدن بسوق هرج في بغداد فكلما علا صوت بائعي الخردة كلما اقبل الزبائن عليهم.------------------------------------------------------------------------ملاحظة دقيقة وفى محلها فعلا أحسنت الوصف
18 - الطرطبة
Monday, June 29, 2009
طارق حجي
ما انصف القوم ضبة - وامه الطرطبة .... والطرطبة هى مدلاة الثديين. وقد حفظت هذه القصيدة وانا فى المدرسة الثانوية (سنة 1964) ... وبعد ثلاثين سنة وانا فى زيارة لجامعة ليدن الهولندية سمعت مستشرقا هولنديا يقول (وعن حق) ان بهذه القصيدة صورة ربما تكون الأروع فى تاريخ الشعر عامة . يقول ابو الطيب (واعتذر عن الالفاظ) ... (وما ناكها من ناكها وانما عجانها ناك زبه ) ... وعندما اغلقت عيني وتصورت وافقت المستشرق الهولندي اننى (وانا احفظ الاف القصائد بالعربية والانجليزية) لم (ولا اظن اننى سوف) ار (؟؟!!) صورة شعرية كهذه الصورة التى ابدعها ابو الطيب - طارق حجي (بالمناسبة ، ولمن لم يحط بلسان العرب فى صغره ، العجان هو اسم المنطقة الكائنة بين شرج المرأة وفرجها اذا ترهل فطال وتدلي !! ) طارق
19 - تحية
Monday, June 29, 2009
almotachail
بالغ الاحترام للاستاذ نادر قريط.و اشكره بالغ الشكر علي كتاباته الممتعة و الطريفة.و يزداد اعجابي بردوده الموضحة و المفسرة.لا اتعب من التكرار حين اقول ان كتابا قليلين يمنحونني المتعة و المعرفة و من بينهم الاستاذ الفاضل و سيد القمني و طارق حجي و رجاء بن سلامة و امال قرامي و وجيهة لحويدر ...فلهم كل المحبة و التقدير..
حضرة الكاتب نادر قريط أرجو أن لاتحكَ لحيتك كثيراً
ردحذفوأنا أقرأ ُ نص مقالكم أحسستُ مُعانات حاملين ثقافة لغات شعوب مناطقنا الصحراوية(سوريا - سيناء - جزيرة العرب وغيرها)الجافة وبجفافها َجفْتْ لُغاتها وبقيت كمى هي وبيدِ خالقها المعبد أي لغة المعبد وكاهنهِ الذي رفض تكنيكيها وتحديثها لكي لا يخسر السلطة ومنه المائده الشهية ( لذلك الآتينية ومارتين لوتر) وعلى الرغم من محاولات علماء وفلاسفة العصر التنويري في عصر الوحدة العربية المحمدانية ودستورها القرآن (محمد ص) هذه الوحدة المحمدانية العلمانية المادية التوحيدية الآريوسية وما بعد محمد حاول عمر وعثمان وهناك دوماً محاولات دائمة ومتوترة ولكن المحصلة فاشلة لأن من دون ماء ومراعي خضراويه وكرامة إنسانية لا يوجد تقدم ولا مدينه هذالثالوث موجود في العالم الشمالي لذلك كما نشاهده كشاهدين على قفزاته التطوريه وعلى كل المجالات المادية والإنسانية وحتى الميتافيزيكية وسفر آلة وعقل الإنسان الشمالي إلى صدرة المنتهى والقمر والذي حطمَ نظرية الذين يؤمنون بأن علي رضوان الله عليه بأنه يسكن القمر وأنه لايسمح لأحد بالنزول عليه فها الروسي والأمريكي وغيرهم صعدوا وحتى صدرة المنتهى فلم يجدوا هيرقولاس ولى عيسى ولى علي ولا حتى صدام لأن كل رمز قتل من طرف العدو ومن تأثير هوس الصدمة جماعتهِ صَعَدوه إلى السماء وينتظرونه فلأجل صعود الرموز وجدتْ فلسفة ما وراء الطبيعة لذلك على الإستاذ نادر أن لايقع بالهم ويكون مهموماً حتى لا يَحُكَ ذقنهُ أو ليحْيتِهِ كثيراً وحسب التوحيدي رضوان الله عليه صفحة 110 معارك من أجل الأنسنة محمد أركون قدس سره
يرفائيل زياده
مقال قيم جدا - أشكرك
ردحذفمروة كريدية
كم أنت رائعاً عزيزي .. دمت جراحاً للكلمة والحدث .. ولا جارحاً للمعنى والقصد .. تحية عطرة0
ردحذفإضافة
ردحذفعزيزي .. لتسمح لي بملاحظة:
وهي أن مترجم الكتاب مشاركاً السيدة قرينته هو أستاذ الفلسفة المميز(أنور مغيث)..فقد سقط حرف الراء من إسمه ..شكراً0
شكر جزيل للسيد رفائيل زيادة، وللأستاذة مروة كريدية لترك بصمتها على هذا النص، ومحبة وتقدير للصديق غير معرف مع تحيات عطرة، وآسف لسقوط حرف الراء من إسم الأستاذ الفيلسوف أنور مغيث، وشكرا للتنبيه
ردحذفعزيزي..
ردحذفلفت إنتباهي بيت الشعر (البيطري) المشار إليه في تعليق رقم(5)..وقصيدة المتنبي المعنية بهجاء ضبة بن يزيد في تعليق رقم (18).. فقاداني لإشكالية خيلاء المبدعين على من لا يعي مقاصدهم .. حيث منهم من لا يتأخر في عفواً (تعرية مؤخرته) ..تماماً كما فعل المتنبي في قصيدته لإحتقار ضبة !
شخصياً أفضل الوقوف في صفوف الجهلاء .. خيراً من إنتشائي بمؤخرة أو أثداء !
برأيي على المثقف طرح السؤال وعلى المتلقي البحث وليس عليه الإجابة في الحال0
تحياتي العطرة0
اخي الحبيب نادر
ردحذفانا لست مثقفا ولا قارئا ولكنني استطعم الكتابةوان اصبحت كما ذكرت حتى العناوين المثيرة لم تعد تستقصب القارى الذي يريد كتابات من نوع كنتاكي او همبرغر
حميعنا نبحث دائما عن الحرية المفقودة ولن نجدها (ضاعت الطاسة)ولكن ما ابحث عنة بحق ان اجد مساحة من الحرية كي احبك فهذا يكفيني ويمنحني نورا لاتلحقة العتمة راتب العكة
مشرق ودائم الابداع اتمنى لك مزيدا من التالق الذي يوصل الى المحبة
تحياتي إليك نادر، أولا وقبل ربط ما أطلق عليه دريدا بالمركزية العرقية الأوروبية، المبنية علي الكلام، يتعلق هذا الأمر بتاريخ الكتابة، وبالتالي فإن الصوت مقدم علي الكتابة؛فإحدي نظريات نشأة اللغة، والتي تسمي بالمحاكاة،افترضت أن اللغة نشأت علي أساس هذا المبدأ الذي حاكي الصوت، وبعيدا عن الجدلية التاريخية، وفرضية الأخذ بها، فإن محاولة التفكيك، أو إعادة بنية النص علي حد تعبير دريدا، ضرب من الوهم الذي قاد النص إلي التشويه في ظل متاهات التفكيك، وإعادة ترتيب قواعد اللغة، كما أن افتراض الميتافيزيقا التي استخدمها دريدا، وجعلها الأساس الذي بني عليه منهجه، بعيد عن الواقعية، فالتفكيكية، هي إعادة بنية النص، ومن ثم إعادة تركيبه، وبالتالي تأويله، والتأويل هنا يتوقف علي الأيدلوجية التي يتبناها من يقوم بعملية التأويل، إن دريدا بفتحه المتاهات علي البنية النصية هو من افترض اللوغوس، وأسسه، واستخدامه للميتافيزيقا هو دعوة إلي تكريس الميثولوجي، وإعادة طرحه كأحد الأنساق الأدبية التي يجب أخذها في الحسبان، وبعيدا عن كون دريدا يهوديا، وشعوره بالتشتت، ومن ثم حاول أن يفسر النص، أو يعيد بنيته علي أساس من هذا التشتت المتمركز في ذاته، فإن الأنساق اللغوية، وقواعد اللغة ترفض هذاالتفسير، لأن هذاتشويه للبنية اللغوية النصية، عل أن الكتابة لم تكن في يوم من الأيام إلا تكميلا للصوت، وتسجيلا له، واحتفاظها بالبعدين الزماني، والمكاني.
ردحذفأشارك المعلقين إدمان مقالاتك الجميلة والمتعددة المشاعب. لكنك دوختني هنا بين تفكيك داريدا وبين انفصام المثقف العربي لغوياً. لقد مارستُ تفكيك النصوص القديمة دون أن أدرس داريدا ولا أخجل من ذلك فنظرتي هي التالية: الفلاسفة يكثرون من الكلام المعقد من باب حماية الكار. لكن المغزى بسيط على نفعه الجم. أنظر إلى دارسي نظريات هؤلاء الفلاسفة وتطبيقاتهم. فكل يطبق كما فهم وهنا تظهر محدودية هذه النظريات.
ردحذفما أفهمه من ابتعاد الكتابة عن الكلام، هو أن الكلام آني والكتابة باقية دائمة. وحين ينقضي الآني تصبح كلمات الكتابة قوالب فارغة نملؤها بكلامنا الجديد وهذا هو التأويل. فمن يعرف مثلاً ما عناه محمد (وحياً أو بغيره) من "الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا." قد يكون قصده أن الرجال يطؤون النساء لأنهم دفعوا مقدماً (مع مؤخر ثقيل أيضاً). أما انفصام المثقفين العرب لغوياً فلا أحسبه ذا علاقة بتفكيك داريدا. ومثالك عن محمد أركون في مجزرة فيصل القاسم خلط عليّ الأشياء فأركون وإن تكلم العربية فهو يكتب بالفرنسية وهي لغة تعامله اليومي فما له ولمحاورة عياري المشايخ (أو مشايخ العيارين) الذين يحفظون خطابهم عن ظهر قلب وهو مكون من وحدات منفصلة تجمع بن الشتائم القرآنية والآيات القصار والأحاديثة المفصلة على ذوقهم.
أما الإنفصام اللغوي بين المحكي والمكتوب فيوجد في كل المجتمعات بدرجات مختلفة تعتمد على مستوى التعليم. فمثلاً لغة الشارع الفرنسي في أحياء العمال والمهاجرين تختلف تماماً عن لغة طلاب الجامعات. ولغة طلاب الجامعات اليومية تختلف في لفظها وقواعدها وعباراتها عن لغة الدراسة والحوار المثقف. إن ثنائية اللغة والإنفصام (diaglossia) التي يطلقها كثيرون من المفكرين الغربيين على العرب ما هي إلا عجز الجمل عن رؤية سنامه. لا يحتاج المثقف العرب إلا إلى دروس في الخطابة والإلقاء والحوار حتى يمارس لغة التعليم العليا كما يفعل الأوروبيون.
الفقر كما ذكرتَ هو في الفضاءات اللغوية العربية وليس في سيطرة الفضاء اللغوي الديني فقط. لا أحد ينكر أن الفضاء اللغوي الديني مسيطر لكن إغناء الفضاءات الأخرى عبر الترجمة والبحث العلمي قد لا يكون له علاقة بسيطرة الخطاب الديني. لا ننسى أن تكريس الخطاب الديني تم في مدارس الحكومات القومجية التي خلطت الدين بالقومية بالتراث. فالذم واجب على الأيديولوجيات القومية الغوغائية وليس على الخطاب الديني. وهل نظن أن اللغات الأوروبية المتجانسة (كما يبدو للوهلة الأولى) على طول التركيبة الإجتماعية وعرضها كانت موجودة قبل الدولة القومية. في أوائل القرن التاسع عشر كان نصف فرنسا فقط يتكلم الفرنسية المعروفة اليوم وما كان ذلك إلا بفضل الطبقات الوسطى من المعلمين والكتاب الرومانسيين المؤمنين بالأيديولوجيات القومية الذين أخذوا على عاتقهم نشر هذه اللغة "القومية" المفبركة أصلاً. وأنت تعرف ياعزيزي تعدد اللهجات في ألمانيا وكم من الألمان يتكلم الألمانية العالية (Hoch Deutsch). المشروع اللغوي العربي الذي يغذي المفردات والمعاني ضروري ولا أشك بذلك لكن تحليلاتنا الحالية تبدو أحادية الجانب وقاصرة عن ضم العدد الازم من العوامل الشارحة كما يقولون في علم الإحصاء. ولا أنسى هنا أثر رواد مايسمونه بالنهضة العربي التي ما كانت إلا استمراراً للرومانسية الأوروبية القومية الطابع. لم يكن استنباط الكلمات الجديدة في ذلك العصر موفقاً كل التوفيق ولم يتكن إعادة بناء الأسلوب التعبيري للغة العربية موفقاً بتاتاً. فمتعلِّم العربية مرتبط باأسماء كوحدات وبعيد كل البعد عن جذور الأسماء لان الإرتباط ليس إلا مجازياً والإستنباط تعسفاً في استعمال صيغ العربية مما يجعل الباحث العربي في أي مجال غير اللغة عاجزاً عن استنباط كلمات جديدة لتخدم مجاله بشكل عام وبحثه بشكل خاص. خذ مثلاً كلمة "موضوع" كترجمة لكلمة (subject) الإنكليزية. من أين جاءت ولماذا اختيار جذر "وضع" المرتبط بالتوطئة والهبوط. فإذا كتبت بالإنكليزية فإني وببساطة قد أخترع كلمات لتلاؤم بحثي مثل (subjectify, subjectivism, subjective, subjectivity) أما في العربية فلا سبيل للاستنباط إلا بمعرفة الجذر ومعانيه وصيغ المصادر والأسماء والصفات والجموع. فلا أستطيع أن أقول "موضع" قاصداً تحويل شيء إلى "موضوع" وإذا قلت "موضوعية" حصلت على المعنى المخالف تماماً ل (subjectivity) وإذا حاولت ترجمة (subjectivism)عدنا إلى "الموضوعية " الخرقاء. وهذا ليس عجزاً في العربية كما يتصور الكثيرون، الأساس هو في معرفة أسس الإستنباط وثبوت معنى الكلمة ومشتقاتها. إن كلمة "موضوع" غير ثابتة لأنها لا ترتبط معنوياً بأبناء عمها وأقاربها. والأمر هنا لا يتعلق بانفصام لغوي بل بمشروع نهضة محدود النجاح وبحاجة إلى مراجعة جادة وجريئة.